قواعد إنهاء العمل بالمعاهدات الدولية أو تعديلها
مع التطبيق على معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية 1979
إعداد:
يسرا محمد صلاح الدين عبد الوهاب
2011
تمهيد:
أثارت الثورة المصرية الكثير من الجدل حول مستقبل معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، وعلاقات مصر الثنائية مع إسرائيل؛ فبعد نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بالرئيس السابق "حسني مبارك"، والذى كانت تعتبره إسرائيل بمثابة صمام الأمان لها ضد أية محاولات تستهدف النيل من هذه المعاهدة؛ كثر الحديث عن إمكانية إنهاء العمل بهذه المعاهدة، أو حتى تعديل بعض نصوصها.
غير أن الأحداث تلاحقت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة نتيجة لما شهدته الحدود المصرية - الإسرائيلية من توترات إثر قيام إسرائيل بملاحقة مجموعة من المسلحين الذى اتهمتهم بتنفيذ ثلاث عمليات تفجيرية في إيلات يوم 18 أغسطس 2011 إلى داخل الأراضي المصرية، وهو ما أسفر عن استشهاد ضابط وأربعة جنود مصريين نتيجة توغل وحدة إسرائيلية داخل الأراضي المصرية، واشتباكها مع وحدة الشرطة المتمركزة عند النقطة 79، وذلك وفقًا لتقرير قوات حفظ السلام الدولية المتمركزة في سيناء. بيد أنه إذا كان هناك من ينادي بإلغاء هذه المعاهدة الآن؛ خاصة في ضوء بروز مأزق السيادة المنقوصة لمصر في معضلة ضبط حدودها الشرقية، وصبغة التوتر التي ميزت المنطقة الحدودية، وأيضًا في ضوء ما أعلنته إسرائيل أكثر من مرة أنها يـمكنها التدخل في سيناء في أي وقت لحماية حدودها نظرًا لضعف السيطرة الأمنية لمصر، فإن هناك آخرون يرون أن مصر غير مستعدة حاليًا للدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في ظل أوضاعها الراهنة ومتطلبات إعادة ترتيب البيت من الداخل.
وبين هذا الرأى وذلك، يرى البعض إمكانية ممارسة نوع من الضغط الشعبي الذي يدفع باتجاه تعديل بعض نصوص المعاهدة (وملحقاتها) دون إلغائها بشكل كامل؛ لاسيما فيما يتعلق بمسألة الترتيبات الأمنية وتقسيم المناطق داخل سيناء.
ولعله يكون من المفيد في البداية -قبل التطرق إلى المشكلة البحثية محل هذه الدراسة- إلقاء نظرة سريعة على بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في 26/3/1979م، حيث نجد أنها تتكون من ديباجة وتسع مواد ومجموعة من البروتوكولات والملاحق والخرائط. وقد أكدت الديباجة التزام الطرفين بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد والمؤرخ في 17/9/1978م، أما مواد المعاهدة فقد عالجت مسائل متعددة منها: إنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل وإقامة السلام بينهما، ومسألة الانسحاب الإسرائيلي العسكري والمدني من سيناء، وإقامة العلاقات الطبيعية والودية، ومسألة الترتيبات الأمنية، وحق المرور الحر في قناة السويس، وتأكيد أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة للدول كافّة، وحق كل طرف في أن يعيش في سلام داخل حدوده الآمنة والمعترف بها، وتضمنت المعاهدة كذلك جملة من التعهدات، منها: التعهد بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد بعضهما البعض، وتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه. كما تعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو النشاط الهدام، وكفالة تقديم مرتكبي هذه الأفعال للمحاكمة، والتعهد بعدم الدخول في أي التزامات تتعارض مع هذه المعاهدة. - المشكلة البحثية، وتساؤلات الدراسة:
تحاول هذه الورقة البحثية رصد أهم الحجج والأسانيد القانونية التي يتبناها مؤيدي فكرة تعديل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أو إنهاء العمل بها، ومدى مشروعية الإقدام على هذا التصرف. ومن ثم يمكن صياغة المشكلة البحثية لهذه الدراسة فيما يلي:
هل هناك ثمة قواعد قانونية تسمح بإلغاء أو تعديل أو إعادة النظر في معاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية أو في بعض بنودها استجابة للمتغيرات السياسية في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير؟
ومن هذا السؤال الرئيسي تنبثق عدة تساؤلات فرعية للدراسة، يمكن إجمالها فيما يلي:
- ما هي قواعد القانون الدولي التي تجيز تعديل المعاهدات الدولية؟ وما هي شروط إنهاء العمل بها؟
- كيف قننت إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969 مسألة تعديل وإلغاء المعاهدات الدولية؟
- ما هي الأسباب الداعية إلى التفكير في تعديل أو إلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية؟ وما هي النصوص التي ترغب بعض القوى السياسية في تغييرها في هذه المعاهدة على نحو خاص؟
- كيف تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مع الدعوات التي طالبت بإلغاء أو تعديل هذه المعاهدة؟
- هل يمكن الدفع بحدوث تغير جوهرى في الظروف عقب ثورة 25 يناير في مصر (والتي أدت إلى اسقاط النظام السياسي) لإلغاء المعاهدة أو تغيير أحد بنودها؟
- هل هناك ثمة إخلال جوهري بالإلتزامات الواردة في الاتفاقية من جانب إسرائيل إلى الحد الذي قد يدفع مصر إلى المطالبة بإلغاء المعاهدة أو تعديلها؟
- هل يمكن الاعتداد بمبدأ التوارث الدولي للمعاهدات للدفع بعد جواز تعديل (ومن باب أولى إلغاء) معاهدة السلام، باعتبار أن أي نظام سياسي قادم في مصر سيكون ملزمًا بتطبيق كافة الالتزامات القانونية المنشأة بموجب تعهدات سابقة؟
- هل هناك ثمة تعارض بين معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بما تفرضه من حظر الاستخدام المتبادل للقوة أو التهديد به، وبين إتفاقية الدفاع العربي المشترك؟
- ما مدى صحة الإدعاء بأن هذه المعاهدة قد أبرمت إبان فترة الإحتلال الإسرائيلي لسيناء، وبالتالي فهي تحتوى على شبهة إكراه للطرف الأضعف (مصر) على التوقيع لكونها معاهدة إستسلام، ومن ثم يمكن الدفع ببطلانها من الأساس؟
- تقسيم الدراسة:
بناء على هذه الأسئلة البحثية السابقة، يمكن تقسيم الدراسة إلى ثلاثة أجزاء على النحو الآتي؛
الجزء الأول: شروط انقضاء العمل بالمعاهدات الدولية، وشروط تعديلها:
ويتم فيه تناول شروط تعديل المعاهدات الدولية، أو انقضاء العمل بها وفقًا لقواعد القانون الدولي. وفي هذا الصدد سوف يتم التعرض بالشرح لنصوص إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969، لاسيما المواد المتعلقة ببطلان المعاهدات الدولية، وتعديلها، وإنقضاءها، وأحكام الإنسحاب منها، وهي تحديدًا النصوص الواردة في المواد من (39) إلى (64).
الجزء الثاني: التطورات الميدانية في سيناء، ومواقف القوى السياسية بعد الثورة من معاهدة السلام:
ويتم فيه رصد التطورات الميدانية التي حدثت خلال الأيام الأخيرة، ثم التعرف على تصريحات ومواقف القوى السياسية الداعية لإلغاء –أو تعديل- معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والحجج والأسانيد القانونية التي يستندون إليها. وأخيرًا رصد السلوك الإسرائيلي إزاء هذه المواقف والتصريحات، وكذلك مواقف القوى الدولية –وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية- من هذه الدعاوى.
الجزء الثالث: مشروعية الدعوة إلى إنهاء العمل بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أو تعديلها:
ويعتبر هذا الجزء بمثابة تطبيق للقواعد القانونية التى تم شرحها في الجزء الأول على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بشكل محدد، وذلك في ضوء الحجج والأسانيد التي تسوقها القوي السياسية، والتي سيتم تناولها في الجزء الثاني من الدراسة.
المبحث الأول
شروط تعديل المعاهدات الدولية، وشروط انقضاء العمل بها
مر القانون الدولي بعدة مراحل من التطور في أحكامه تزامنت مع تطور العلاقات الدولية، وحاجة الدول للتعاون والسلم والأمن. وفي سعي الدول -لاسيما المتمدينة- لتحقيق مصالحها، حرصت على ضمان الاستقرار والثبات للقواعد القانونية الدولية بما يكفل تحقيق مصالح وحقوق جميع الأطراف. ومن ثم فإن إنهاء المعاهدات الدولية أو السعي إلى تعديلها، يستمد أساسه من قواعد الالتزام القانونية، وأن تظل الإرادة الكاملة هي مناط التعاقد، وان انتفاء المصلحة هو مناط انتهاء الالتزام. ولتقنين هذا الحق وضع القانون الدولي قواعد "منطقية" لإنهاء العمل بالمعاهدات أو تعديلها، وهي قواعد طبيعية تتفق الدول عليها وتعبر عن مظاهر حسن النية واستقرار التعامل الدولـي. وبناء على ما سبق، سيتم في هذا الجزء تناول شروط تعديل المعاهدات الدولية، وشروط انقضاء العمل بها وفقًا لقواعد القانون الدولي. وفي هذا الصدد سوف يتم التعرض بالشرح لنصوص إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969، لاسيما المواد المتعلقة ببطلان المعاهدات الدولية، وتعديلها، وإنقضاءها، وأحكام الإنسحاب منها، وهي تحديدًا النصوص الواردة في المواد من (39) إلى (64)، وذلك لكون هذه الحالات هي محل الأسانيد التي يسوقها الداعين إلى إلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وبناء على ذلك يمكن تقسيم هذا المبحث إلى الأجزاء التالية:
أولاً: شروط تعديل المعاهدات
جاءت المادة (39) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بالقاعدة العامة بشأن تعديل المعاهدات الدولية، حيث قررت أنه " يجوز أن تعدل المعاهدة باتفاق أطرافها. وتسري على هذا الاتفاق القواعد الواردة في الجزء الثاني ما لم تنص المعاهدة على غير ذلك". وطبيعي أن يكون اتفاق الأطراف أساساً لتعديل المعاهدات، ولكن هذا الاتفاق يمكن أن يأخذ أشكالًا متنوعة: 1- الاتفاق الصريح على تعديل المعاهدة، فمن البديهي أن يكون لأطراف المعاهدة الذين قاموا بإبرامها الحق في الاتفاق في وقت لاحق على تعديل نص أو بعض نصوص هذه المعاهدة، مع ملاحظة عدم جواز تأثير ذلك التعديل على الحقوق القانونية التي اكتسبتها الدول الغير نتيجة للنص المراد تعديله. ومن الجدير بالذكر ضرورة أن يراعي هذا الاتفاق اللاحق القواعد العامة التي تحكم المعاهدة الأصلية التي يجري تعديلها.
2- الاتفاق الضمنى على تعديل المعاهدة، ويأخذ هذا الاتفاق شكلان على النحو التالي:
أ- تعديل المعاهدة في ضوء السلوك اللاحق، فإذا كان الاتفاق الصريح بين أطراف المعاهدة على تعديل بعض نصوصها لا يثير مشاكل، فإن التساؤل يثور حول مدى إمكانية تعديل المعاهدة باتفاق ضمنى لاحق على تعديلها. وقد اتجهت بعض أحكام التحكيم الدولي إلى التسليم بأن السلوك اللاحق يمكن أن يؤخذ في الاعتبار كأساس لإجراء تعديل لاحق على المعاهدة بوصف هذا السلوك يعبر عن بعض الأعمال أو المواقف المتعلقة بالمراكز القانونية لأطراف المعاهدة وبالحقوق التي يمكن لكل طرف أن يدعي بها مستقبلاً. وكانت لجنة القانون الدولي قد ضمنت مشروعها عن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات نصًا يشير صراحة إلى إمكانية تعديل المعاهدة تعديلاً ضمنيًا عن طريق السلوك اللاحق للأطراف، ولكن مؤتمر فيينا رفض إقرار ذلك النص بعد أن رأت فيه بعض الوفود دعوة إلى الدول بعدم الالتزام الدقيق بالمعاهدات التي تقوم بإبرامها.
ب- تعديل المعاهدة في ضوء تطور قواعد القانون الدولي العام، حيث يمكن تعديل نص أو نصوص في معاهدة قائمة نتيجة لنشأة قاعدة جديدة من قواعد القانون الدولي. فمن المتصور مثلاً أن تؤدي نشأة قاعدة قانونية دولية عرفية إلى تعديل نص من نصوص معاهدة قائمة سابقة في تاريخها على نشأة ذلك العرف.
ثانيًا: شروط انقضاء المعاهدات وإنهاء العمل بها
الأصل أنه إذا خلت المعاهدة من النصوص الصريحة التي تحدد أسباب انقضائها، فإن ذلك يعني استمرار التزام أطرافها بأحكامها بصورة غير محددة تطبيقًا لقاعدة "أن الاتفاق ملزم". وهناك معاهدات لا تقبل بطبيعتها الانسحاب منها أو التخلي عنها بالإرادة المنفردة مثل معاهدات الحدود، ومعاهدات السلام، لأن الانسحاب منها يعني بالضرورة انتفاء مبرر بقاءها. وبشكل عام يمكن القول أن إنهاء العمل بالمعاهدة أو انقضائها يتم إما باتفاق الأطراف، أو بغير اتفاقهم. وفي هذا الإطار، يمكن التفرقة بين هاتين الحالتين على النحو التالي؛
(1) إنقضاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها باتفاق الأطراف
جاءت المادة (54) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969 لتقرر أن؛
"انهاء المعاهدة أو انسحاب أحد أطرافها يجوز أن يتم:
أ- وفقًا لأحكام المعاهدة.
ب- أو في أى وقت باتفاق جميع الأطراف بعد التشاور مع بقية الدول المتعاقدة".
كما نصت المادة (57) على:
"يجوز إيقاف العمل بالمعاهدة بالنسبة لجميع أطرافها أو لطرف معين فيها
(أ) وفقاً لنصوص المعاهدة؛ أو
(ب) في أي وقت، برضاء جميع الأطراف وبعد التشاور مع الدول المتعاقدة الأخرى". وبعيدًا عن الدخول في تفصيلات التفرقة بين إصطلاحي "انقضاء المعاهدة"، و"إيقاف العمل بالمعاهدة"، فإنه يمكن بناء على نص المادتين السابقتين التفرقة بين أمرين رئيسيين، الأول هو الاتفاق السابق (أى المتضمن في نصوص المعاهدة) على إنهاء العمل بها أو إيقافها، والثاني هو الاتفاق اللاحق (أى اللاحق على إبرام المعاهدة) على إنهاء العمل بها أو إيقافها.
(أ) إنهاء العمل بالمعاهدة بناء على اتفاق سابق (متضمن في المعاهدة):
وهنا يمكن التفرقة بين عدة حالات، وذلك على النحو التالي:
1- التنفيذ الكلي:
يؤدي قيام الأطراف فى معاهدة عقدية بتنفيذ الالتزامات الملقاة على عواتقهم إلى انقضاء المعاهدة وإنهاء العمل بها؛ فالمعاهدة التي تتعلق بقيام دولة بتوريد مهمات أو معدات معينة إلى دولة أو دول أخرى مقابل مبالغ مالية تنقضي بقيام الدولة الأولي باتمام التوريد، وبقيام المستفيد أو المستفيدين بسداد التزاماتهم المالية. ويلاحظ هنا أن التنفيذ يجب أن يكون كليًا؛ بمعنى أن يكون شاملاً لكل أحكام المعاهدة وليس مقصورًا على بعض أحكامها دون البعض الآخر. 2- حلول الأجل:
إذا ما تضمنت المعاهدة نصًا يقرر لها أجلاً تنقضي بحلوله، فإن ذلك يعني انتهاء الالتزام بأحكامها إذا ما حل ذلك الأجل، ما لم يتفق أطرافها على تجديد العمل بها. وهناك معاهدات عادة ما تتضمن ما يفيد سريانها خلال فترة زمنية معينة؛ مثل معاهدات التحكيم الإجباري، والمعاهدات التي تبيح استئجار أجزاء معينة من إقليم دولة ما لإقامة منشآت عليها كقاعدة عسكرية. وفي المقابل فإن هناك من المعاهدات الدولية ما يستفاد من طبيعة الغرض من وراء إبرامها مستمرة السريان كالمعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية. 3- إنقضاء المعاهدة نتيجة تحقق شرط فاسخ:
الشرط الفاسخ هو أمر مستقبلى غير محقق يترتب على وقوعه زوال التعهد؛ فإن كان رضاء الدولتين بأحكام المعاهدة معلقًا على مثل هذا الشرط الفاسخ، ثم تحقق هذا الشرط، فإن المعاهدة تزول وتنقضي. بعبارة أخرى، يمكن القول أن الشرط الفاسخ هو في حقيقته تحـديد لأجل معين دون تحديد تاريخ حدوثه بـدقة. (ب) إنهاء العمل بالمعاهدات بناء على اتفاق لاحق بين الأطراف:
يأخذ هذا الاتفاق أحد شكلين:
1- الاتفاق الصريح:
من المتصور ألا يرد اتفاق الأطراف في معاهدة ما على موعد أو شروط إنقضائها في نصوص تلك المعاهدة ذاتها، وإنما يرد في مرحلة لاحقة ويأخذ شكل الاتفاق الصريح المستقل، بحيث نكون في مواجهة معاهدة جديدة تقرر إلغاء المعاهدة الأولى السابقة عليها، وبشرط أن يكون جميع أطراف المعاهدة الأولى من بين أطراف المعاهدة الثانية.
2- الاتفاق الضمني:
يمكن أن يأخذ اتفاق الأطراف في المعاهدة على إلغائها شكل الاتفاق الضمني، كما هو الشأن بالنسبة للمعاهدات التي تجرى الدول الأطراف فيها على عدم تطبيقها دون أن يأخذ ذلك شكلاً مكتوبًا، ولكن يتحصل في اتفاق ضمني على عدم التطبيق. ويمكن أن يستنتج إنقضاء المعاهدة من قيام جميع الأطراف فيها بإبرام معاهدة جديدة تتناول ذات الموضوع، وذلك حتى في حالة عدم النص صراحة على انقضاء المعاهدة الأولى، إذ أنه في هذه الحالة تكون إرادة الأطراف قد انصرفت إلى إلغاء المعاهدة الأولى عند اقدامها على إبرام المعاهدة الجديدة، أو إذا كانت نصوص المعاهدة الجديدة تتعارض مع المعاهدة الأولى. وقد تناولت المادة (59) من اتفاقية فيينا هذه الأحكام، حيث نصت على ما يلي:
1- تعتبر المعاهدة منقضية إذا عقد جميع أطرافها معاهدة لاحقة تتعلق بذات الموضوع وتحقق أحد الشرطين الآتيين:
)أ) ظهر في المعاهدة اللاحقة أو ثبت بطريقة أخرى أن الأطراف قد قصدت أن يكون الموضوع محكوماً بهذه المعاهدة؛ أو
(ب) كانت نصوص المعاهدة اللاحقة غير متمشية مع نصوص المعاهدة الأسبق لدرجة لا يمكن معها تطبيق المعاهدتين في الوقت ذاته.
2- تعتبر المعاهدة الأسبق قد أوقف تطبيقها إذا ظهر من المعاهدة أو ثبت بطريقة أخرى أن نية الأطراف كانت كذلك".
(2) إنقضاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها بدون اتفاق الأطراف
"المبدأ العام هنا هو أنه: "لا يجوز لأي طرف في معاهدة ما التخلص من التزاماته التعاهدية بإرادته المنفردة." والذي يعد مبدأ أصيل من مبادئ القانون الدولـي، أما المعاهدات التي يمكن الانسحاب منها بإرادة منفردة فهي التي لم تتضمن حكما صريحا بشأن إنهائها مالم يثبت اتجاه نية الأطراف بعكس ذلك، سيما في حال إمكانية استنباط ذلك من المعاهدة ذاتها". وقد نظمت المواد من (60) إلى (64) حالات إيقاف العمل بالمعاهدات بدون اتفاق أطرافها، حيث أجملت هذه الحالات في أربع حالات أساسية هي؛ أولاً: الإخلال الجوهري ببنود المعاهدة (ويشمل التنصل من المعاهدة أو مخالفة نص أساسي فيها)، وثانيًا: استحالة التنفيذ، وثالثًا: التغير الجوهري في الظروف، ورابعًا: ظهور قاعدة آمرة جديدة من قواعد القانون الدولي العام تتعارض مع بنود الإتفاقية. ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي: (أ) إنقضاء المعاهدة نتيجة الإخلال بأحكامها:
نصت المادة (60) من اتفاقية فيينا في فقرتها الأولى على أن:
"1- الإخلال الجوهري بالمعاهدة الثنائية من قبل أحد أطرافها يخول الطرف الآخر الاحتجاج به كسبب لانقضائها أو لإيقاف العمل بها كلياً أو جزئياً".
كما نصت الفقرة الثالثة من ذات المادة على:
"3- لأغراض هذه المادة يشتمل الإخلال الجوهري على ما يلي:
(أ) التنصل من المعاهدة بما لا تجيزه هذه الاتفاقية، أو
(ب) مخالفة نص أساسي لتحقيق موضوع المعاهدة والغرض منها". ومن هذا النص يتضح أنه إذا أخل أحد أطراف المعاهدة بالالتزامات الناشئة عنها، أو خالف أحكامها، فإن من حق الطرف الأخر أن يتحجج بهذا الإخلال لإفساخ المعاهدة أو وقف العمل بها.
ولعله يكون من المفيد الإشارة إلى أن لجنة القانون الدولي -إبان عملها لإعداد مشروع اتفاقية لقانون المعاهدات- ذهبت إلى اثبات أن ثمة طوائف من المعاهدات يستبعد بصددها كل إمكانية لإلغائها أو الانسحاب منها؛ مثل معاهدات السلام، أو المعاهدات التي تقوم على تسويات إقليمية تستهدف الدوام، هذا بالطبع إلى جانب المعاهدات الدولية التي تستهدف تقنين قواعد القانون الدولي. وجدير بالذكر أن "الممارسة الدولية قد شهدت حالات تعمدت خلالها دولة من الدول الإدعاء –على غير الحقيقة- بوقوع مخالفات وانتهاكات من جانب الطرف الآخر، طمعاً في إعلان إنهاء المعاهدة، أو إيقاف العمل بها، للتخلص من التزامات ثقيلة ملقاه على عاتقها. وغني عن هذا البيان أن هذا الفعل، يؤدي إلى اضطراب العلاقات القانونية بين الدول، ومن ثم كان من الطبيعي أن تحدد اتفاقية فيينا ظروف الاخلال الواردة في المادة 60 بأنها إخلال جوهري، وليس فقط أى ممارسات يشوبها تجاوز محدود لا يظل لدرجة الاخلال الجسيم أو الجوهري". (ب) إنقضاء المعاهدة نتيجة إستحالة التنفيذ:
نصت الماة (61) من اتفاقية فيينا على الآتي:
"1- يجوز للطرف في المعاهدة الاحتجاج باستحالة تنفيذها كسبب لانقضائـها أو الانسحاب منها إذا نجمت الاستحالة عن زوال أو هلاك أمر لا يستغني عنه لتنفيذها. أما إذا كانت الاستحالة مؤقتة فيجوز الاحتجاج بها كأساس لإيقاف العمل بالمعاهدة فقط.
2- لا يجوز للطرف في المعاهدة الاحتجاج باستحالة التنفيذ كسبب لانقضائها أو الانسحاب منها إذا كانت الاستحالة ناجمة عن إخلال ذلك الطرف بالتزاماته بموجب المعاهدة أو أي التزام دولي آخر يقع عليه في مواجهة أي طرف آخر في المعاهدة". ويفهم مما سبق أنه في حالة استحالة تنفيذ الالتزامات المقررة بموجب المعاهدة سواء لأسباب مؤقتة أو دائمة فإن هذه المعاهدة تنقضي.
"وهنا ينبغي التفرقة بين استحالة تنفيذ المعاهدة لزوال موضوعها –الذي لا غنى عنه لتطبيقها- وبالتالى تكون إستحالة التنفيذ دائمة، وبين التغيرات التي قد تطرأ على الشخصية القانونية لطرف ما في المعاهدة؛ كاتحادها مع دولة أخرى ونشوء شخصية دولية جديدة، أو انفصال جزء من إقليم الدولة. ففي هذه الحالة لا يكون الأمر متعلقًا بزوال المعاهدة أو انقضائها، وإنما يكون البحث متعلقًا بتطبيق قواعد التوارث الدولي للمعاهدات". (ج) إنقضاء المعاهدة نتيجة التغير الجوهري في الظروف:
نصت المادة (62) من إتفاقية فيينا على الآتي:
1- لا يجوز الاحتجاج بالتغيير الجوهري غير المتوقع في الظروف التي كانت سائدة عند عقد المعاهدة كأساس لانقضائها أو الانسحاب منها إلا بتحقق الشرطين الآتيين:
(أ) أن يكون وجود هذه الظروف مثل سبباً رئيسياً لرضا الأطراف الالتزام بالمعاهدة؛ و
(ب) أن يكون من شأن التغيير أن يبدل بصورة جذرية في مدى الالتزامات التي ما زال من الواجب القيام بها بموجب المعاهدة.
2- لا يجوز الاحتجاج بالتغيير الجوهري في الظروف كأساس لانقضاء المعاهدة أو الانسحاب منها في إحدى الحالتين الآتيتين:
(أ) إذا كانت المعاهدة تنشئ حدوداً؛ أو
(ب) إذا كان التغيير الجوهري في الظروف نـاتجاً عن إخلال الطرف الذي يتمسك به إما بالتزام يقع عليه في ظل المعاهدة أو بأي التزام دولي آخر مستحق لطرف آخر في المعاهدة.
3- إذا كان للطرف، طبقاً للفقـرات السابقة، أن يتمسك بالتغيير الجوهري في الظروف كأساس لانقضاء المعاهدة أو الانسحـاب منها فيجوز له أيضاً التمسك بالتغيير كأساس لإيقاف العمل بالمعاهدة.
"ولقد ثار خلاف شديد في الفقه حول الأساس الذي يستند إليه شرط التغير الجوهري في الظروف، وهل ما إذا كان من قبيل الشروط التي تنصرف إليها إرادة أطراف المعاهدة –حتى ولو لم ينص عليه صراحة- ومن ثم يعتبر من قبيل الأسباب الإتفاقية لإنهاء المعاهدات أو إيقافها، أم أنه من قبيل الشروط الموضوعية التي تقرره القواعد العامة للقانون الدولي المستمدة من العرف استقلالاً عن إراداة أطراف المعاهدة. وقد حسمت إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات هذا الجدل، حيث حرصت بعناية على عدم اعتناق فكرة الشرط الضمني الذي تنصرف إليه إرادة المتعاقدين، وإنما اعتبرته من قبيل القواعد العرفية، ومن ثم فإن تغير الظروف تعد عندئذ من قبيل الأسباب غير الإتفاقية التي قد تؤدي إلى إنهاء المعاهدات أو إلى إيقاف أحكامها. كما أنها من ناحية أخرى، حددت بصورة واضحة الشروط اللازم توافرها للاعتداد بالتغير الجوهري في الظروف على نحو يستبعد التحلل من أحكام المعاهدة بالإرادة المنفردة لأحد أطرافها". ويمكن إجمال هذه الشروط في الآتي: 1- أن يكون التغيير في الظروف التي أبرمت المعاهدة في ظلها جوهريًا، فليس أى تغيير يمكن أن يحدث ذلك الأثر.
2- ألا يكون ذلك التغيير متوقعًا وقت إبرام المعاهدة، فلو أن أطراف المعاهدة توقعوا مثل ذلك التغيير، وضمنوا المعاهدة نصوصًا معينة لمواجهة هذه الاحتمالات فإنها تصبح واجبة التطبيق عند حدوث التغيير الجوهري في الظروف، دون أن يكون للأطراف المعنية الحق في الاحتجاج بها للتحلل من إلتزاماتهم وفقًا للمعاهدة.
3- أن يتناول التغيير الجوهري الظروف التي كانت أساسًا لرضاء الأطراف، والفيصل في ذلك هو أن أطراف المعاهدة لو أنهم بصروا بهذا التغيير الجوهري في الظروف التى أبرموا المعاهدة في ظلها لما أقدموا على إبرامها. أو بعبارة أخرى، أن هذه الظروف الجديدة لو كانت موجودة في الوقت الذي أبرمت فيه المعاهدة لما قام أطرافها بإبرامها.
4- ينبغي أن يترتب على تغيير الظروف تبديل جذري في نطاق الالتزامات الواقعة على أطرافها.
وبشكل عام يمكن رصد ملاحظتين أساسيتين على نص المادة (62) سابقة الذكر، هما: 1- أن نص المادة يجعل للطرف الذي يدفع بتغير الظروف تغييراً جوهريًا الحق في الخيار بين مجرد إيقاف العمل بالمعاهدة، أو إنهائها.
2- تستثني المادة (62) من تطبيق حكم التغيير الجوهري في الظروف، المعاهدات المنشئة لحدود، والأحوال التى يكون فيها التغيير الجوهري في الظروف ناجمًا عن إخلال الطرف الذي يدفع به بالتزماته المترتبة على المعاهدة.
(د) إنقضاء المعاهدة نتيجة ظهور قاعدة دولية جديدة:
تنص المادة (64) من إتفاقية فيينا على الآتي:
"إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من القواعد العامة للقانون الدولي فان أية معاهدة نافذة تتعارض معها تصبح باطلة وتنقضي". فليس هنالك ما يمنع ظهور قاعدة آمرة جديدة تتعارض مع المعاهدة بمجملها أو مع حكم معين فيها؛ ففي هذه الحالة يصبح وارداً أن يكون الانقضاء على هذا الحكم فقط، أو على المعاهدة ككل، إذ تعد المعاهدة باطلة ومنتهية إذا تعارضت مع قاعدة آمرة جديدة عامة التطبيق في القانون الدولي استقرت بعد نفاذها. ثالثاً: أسباب بطلان المعاهدات الدولية
نظمت المواد من (46) إلى (53) من إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الحالات التي يحدث فيها بطلان للمعاهدة الدولية، حيث أجملتها في؛ الغلط، والتدليس، وإفساد ممثل الدولة، وإكراه ممثل الدولة، إكراه الدولة بالتهديد باستخدام القوة، التعارض مع إحدى قواعد القانون الدولي الآمرة.
الواقع "إن إصطلاح الغلط في المعاهدات الدولية له معنيان اثنان؛ الأول: الغلط في صياغة نص المعاهدة، فإذا ما ظهر بعد إضفاء الصفة الرسمية على المعاهدة أنها تحتوي على خطأ، فالإجراء البطلان في هذه الحالة هو تصحيح لذلك الخطأ. أما الثاني: فهو الغلط في الرضا إذا كان يتصل بواقعة معينة أو موقف معين أو كان من العوامل الأساسية في ارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة". "وقد ميز الفقهاء بين نوعين من الغلط؛ الغلط غير الجوهري أو غير المؤثر ويكون إذا وقع في صفة غير أساسية في الشـيء محل التعاقد. أما النوع الثاني فهو الغلط الجوهري أو الغلط المؤثر، والذي يؤدي اكتشافه إلى قابلية إبطال العقد إذا وقع في مادة الشيء، أو في صفة جوهرية فيه، أو في شخص المتعاقد الآخر، أو في صفة فيه. وفي المعاهدات الدولية لا يتصور وقوع الغلط إلا في حالا ت نادرة جدًا، وفي نوع معين من المعاهدات، وهي المعاهدات البسيطة التي تدخل حيز النفاذ بمجرد توقيع ممثل الدولة عليها. أما المعاهدات المعقدة فمن المستبعد وقوع الغلط عند إبرامها، إضافة إلى أن الأشخاص الموكل لهم إبرام المعاهدات الدولية، كرؤساء الدول والحكومات، ووزراء الخارجية، ورؤساء البعثات الدبلوماسية غالبًا ما يكونون على دراية عالية بالملفات التي يتفاوضون بشأنها، إضافة إلى إحاطتهم بالعديد من الخبراء والتقنيين ذوي المستويات العالية في مجال تخصصهم. ويقصد بذلك الغش أو الخداع، وهي من الأسباب المفسدة للرضا التي تدعوا إلى إلغاء العقد؛ فالغش أو التدليس يفترض وجود سلوك تدليسي بقصد حمل أحد الأطراف في العقد أو المعاهدة على فهم أمر معين على غير حقيقته، ومن ثم يكون قبوله للمعاهدة بناءً على هذا الفهم الخاطئ، أي نتيجة لهذا السلوك التدليسي المعتمد أساسًا على نية مبيتة قائمة على التحايل. وإذا كان القضاء الدولي قد أخد بالتدليس أو الغش كسبب مـن أسباب بطلان المعاهدات، إلا إن ذلك كان محدوداً. وهناك مجموعة من الشروط التي يجب توافرها في فعل التدليس حتي يصبح مبررًا للمطالبة بإبطال العقد، هذه الشروط هي: - أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد.
- أن يكون الفعل التدليسي صادرًا عن المتعاقد الآخر أو بإيعاز منه.
- أن يكون في نية المدلس تضليل الطرف الآخر ودفعه إلى إبرام العقد حسب ما يرتضيه هو.
"عبارة إفساد ممثل الدولة التي عنونت بها اتفاقية فيينا المادة 50 يقصد بها دفع ممثل الدولة المفوض باسمها لإبرام اتفاقية دولية إلى سوء إدارة منصبه أو المهام الموكلة إليه، وذلك عبر تقديم رشاوي مالية أو عينية مثلاً، أو الانغماس في الملذات الشخصية، مع علمه بأن موقفه هذا يتعارض مع مصالح دولته، وكل ذلك لقاء أن يذعن هذا الممثل لإرادة وشروط الطرف أو الأطراف الأخرى خلال عملية إبرام المعاهدة مع علمه التام بأنه باستطاعة دولته إبرام هذه المعاهدة بشروط أفضل لو أنه التزم في سلوكه بالمصداقية والنزاهة". "ولقد استعملت اتفاقية فيينا مصطلح "إفساد ممثل الدولة" وليس "فساد ممثل الدولة"، فالإفساد ينتج عن تدخل طرف آخر يدفع الطرف الأول إلى الفساد، أما فساد ممثل الدولة التلقائي الذي لا دخل للأطراف الأخرى في المعاهدة به فهو من شئون الدولة الخاصة التي لا دخل الأطراف الأخرى بها". قننت اتفاقية فيينا موضوع الإكراه في مجال إبرام المعاهدات الدولية في المادتين 51 و52، حيث ميزت هذه الاتفاقية بين نوعين من الإكراه حسب الطرف الذي انصب عليه هذا الإكراه، فقد يكون منصبًا على الشخص ممثل الدولة (المادة 51)، وقد يكون منصبًا على الدولة ذاتها (المادة 52).
إن القاعدة العامة والأساسية في مجال إبرام المعاهدات الدولية هو الإرتضاء بالالتزام بهذه المعاهدات من جانب أطرافها، أي أن الدولة تعبر عن إرادتها بالالتزام بصورة واضحة جلية لا لبس فيها، انطلاقا من مبدأ "المساواة في السيادة بين الدول"، وكذلك مبدأي "حرية التعاقد" و"العقد شريعة المتعاقدين"، فلا يمكن بتاتًا إجبار دولة ما على الالتزام بمعاهدة لم تكن راغبة أصلا في إبرامها أو الموافقة على الانضمام إليها، لذلك فكل معاهدة دولية أبرمت تحت الإكراه سواء كان إكراهًا واقعًا على الدولة ذاتها أو على ممثلها فهي تقع باطلة بطلانًا مطلقًا ولا يمكن أن تجاز لاحقًا بتصحيح ذلك البطلان"؛ ففي هذه الحالة فإن الإكراه لا يعتبر في الحقيقة عيبًا من عيوب الإرادة فحسب، ولكنه يلغي الإرادة كليةً، لذلك فالصحيح في مثل هذه الحالة هو القول بانعدام الإرادة وليس صدور هذه الإرادة معيبة بعيب الإكراه. وجدير بالذكر أن التاريخ حافل بالمعاهدات التي أبرمت تحت الإكراه خاصة في أعقاب الحروب، فغالبًا ما تُجبر الدولة أو الدول المنهزمة من قبل الدول المنتصرة على التوقيع على معاهدات مجحفة، خصوصًا معاهدات ترسيم الحدود، ونزع السلاح، ومراقبته، وقبول الخضوع للتفتيش، ووضع المنشآت الإستراتيجية تحت رقابة الدول المنتصرة أو المنظمات الدولية. (5) التعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي: يقصد بالقاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي القاعدة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي ككل على أنها قاعـدة لا يجوز الإخلال بها، أو الاتفاق على مخالفتها، لا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي لها ذات الطابع، أى قاعدة آمرة أخرى. ويتضح من المادة (53) أن كل معاهدة دولية تتضمن قواعد مخالفة للقواعد الآمرة من قواعد القانون الدولي فهي معاهدة باطلة أصلاً، سواء كانت هذه القاعدة الآمرة معروفة مسبقًا ومتفق عليها بين أعضاء المجتمع الدولي ككل، أو ظهرت لاحقًا بعد إبرام المعاهدة، وهذا ما وضعته المادة (64) من اتفاقية فيينا، والتي سبق الإشارة إليها.
المبحث الثاني
التطورات الميدانية في سيناء، ومواقف القوى السياسية بعد الثورة من معاهدة السلام
سيتم في هذا المبحث التعرف على تصريحات ومواقف القوى السياسية الداعية لإلغاء –أو تعديل- معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والتي تصاعدت بشدة في أعقاب استشهاد بعض عناصر الشرطة المصرية في أعقاب تفجيرات إيلات، والحجج والأسانيد القانونية التي يستند إليها هذا التيار. كما سيتم التعرف على السلوك الإسرائيلي إزاء هذه المواقف والتصريحات، وأخيرًا مواقف القوى الدولية –وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية- من هذه الدعاوى.
وبناء على ذلك، يمكن تقسيم هذا المبحث إلى 3 أجزاء رئيسة، يتناول أولها الموقف المصري من معاهدة السلام مع إسرائيل بعد الثورة، وينقسم بدوره إلى فرعين؛ الأول هو رصد الموقف الرسمي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة تسيير الأعمال، والثاني هو مواقف القوى والتيارات الداعية إلى إعادة النظر في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والأسانيد القانونية التي تسوقها لذلك.
ثم يتناول الجزء الثاني من هذا المبحث، رد الفعل الإسرائيلي على تلك الدعاوى؛ من خلال التصريحات الرسمية للحكومة الإسرائيلية. وأخيرًا يرصد الجزء الثالث تطورات الأوضاع على أرض الواقع في أعقاب تفجيرات إيلات ودخول وحدات من الجيش الإسرائيلي لأرض سيناء.
أولاً: الموقف المصري من معاهدة السلام مع إسرائيل في أعقاب ثورة 25 يناير
"في ظل ولاية الرئيس السابق "حسني مبارك" كان نظام الحكم بمصر نظامًا مركزيًا يعتمد بدرجة كبيرة على شخص واحد هو الرئيس. وكان هذا الوضع أحد العوامل الأساسية في إثارة المخاوف من زعزعة استقرار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وإحداث أزمة بين البلدين, وربما وقوع مواجهة بين إسرائيل وبين مصر. ومن ثم يمكن القول أن طبيعة نظام الحكم بمصر إبان فترة حكم "مبارك" كشفت عن أن اتفاق السلام مع إسرائيل هو اتفاق هش، لأنه متعلق بموقف الرئيس وليس المؤسسة. وتجلى هذا الأمر بشكل واضح بعد سقوط النظام في أعقاب ثورة 25 يناير، حيث بدأت تظهر دعاوى لإعادة النظر في هذه المعاهدة. ولكن قبل التعرف على أهم القوى الفاعلة داخل مصر والتي تدعو إلى إعادة النظر في هذه المعاهدة، سوف نبدأ أولاً باستعراض الموقف الرسمي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة تسيير الأعمال.
(1) الموقف الرسمي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة تسيير الأعمال:
نص البيان الرابع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة -الصادر عقب تنحي "مبارك" عن الحكم- على التزام المجلس الأعلى بكل الاتفاقيات الإقليمية والدولية التى وقعتها مصر فى السابق.
كذلك "أكد وزير الخارجية المصري "نبيل العربي" أن مصر ملتزمة بكل المعاهدات التي أبرمتها بما في ذلك اتفاقية السلام مع إسرائيل. وذكر "نبيل العربي" أن الهدف من أى اتفاق يتم إبرامه هو الالتزام بها وهذا ما تفعله مصر, وأن الطرفين ملتزمان ببنود الاتفاق تمامًا". (2) مواقف التيارات الداعية إلى إعادة النظر في معاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية، والأسانيد القانونية التي تسوقها لذلك:
"رغم أن العديد من القوى السياسية التي شاركت في ثورة 25 يناير رأت ضرورة الحفاظ على معاهدة السلام، لاسيما حتى يتم الانتهاء من إعادة ترتيب البيت الداخلى، وتحقيق الاستقرار السياسي في مصر، إلا أن جزء كبير من هذه القوى نفسها ترى أنه بمجرد أن تستعيد البلاد استقرارها، فيجب أن يتم عرض الاتفاقية علي الشعب المصري ليبدي مدي استحسانه لها، بل اقترحت بعض التيارات عرض هذه المعاهدة للاستفتاء عليها من قبل الشعب. ومن ثم يمكن أن نلاحظ هنا أن هذه الرغبة في إعادة النظر في الاتفاقية توضح مدي اختلاف التوجهات العامة للقوى السياسية مع سياسة المجلس العسكري الحاكم، والذي أكد التزام مصر بجميع المعاهدات الدولية القائمة متضمناً بذلك اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل" . وفي هذا السياق، "أجرى معهد أمريكي استطلاعًا للرأي شمل ألفا من المصريين في كافة أنحاء مصر بين تاريخي 24 مارس حتى 7 ابريل، وأشارت نتائج هذا الإستطلاع إلى إن غالبية المصريين يريدون بإلغاء اتفاقية السلام مع "إسرائيل"، حيث طالب 36% من المصريين بالحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل، في حين رفضها 54% منهم". أ- أهم القوى السياسية الداعية لمراجعة معاهدة السلام:
- التيارات الدينية:
أعلن العديد من المسئولين في جماعة «الإخوان المسلمين» بأنه ينبغي إلغاء المعاهدة برمتها، بينما دعا آخرون إلى إجراء تصويت برلماني جديد وتنظيم استفتاء وطني حول هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال، أثناء إندلاع الثورة وقبيل تنحي الرئيس السابق، "قال رشاد البيومي –أحد نواب المرشد العام لجماعة الإخوان- أنه "بعد تنحى الرئيس مبارك عن منصبه وتشكيل حكومة مؤقتة، سوف تكون هناك حاجة إلى إلغاء معاهدة السلام مع اسرائيل". وثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام في هذا الصدد وهي ما تضمنه برنامج حزب جماعة الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة) من أن "الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول لابد أن تكون مقبولة شعبيًا، وقائمة على أساس العدل وتحقق مصالح أطرافها، إضافة إلى ضرورة التزام هؤلاء الأطراف بتطبيق نصوصها بأمانة ودقة، وأن يتيح القانون الدولى للأطراف مراجعة الاتفاقيات المعقودة بينهم فى ضوء هذه الشروط". ويمكن ربط هذه المسألة بما سبق وصرح به بعض قيادات الإخوان قبيل عدة سنوات بشأن معاهدة السلام مع إسرائيل، وموقفهم منها في حالة توليهم الحكم في مصر، حيث عبروا وقتها عن ميلهم لطرح هذه المعاهدة على "استفتاء شعبي" وهو ما اعتبره بعض المحللون محاولة لإلغائها بشكل دستوري. فقد أجريت مقابلة مع "عصام العريان" قبل نحو أربع سنوات، قال خلالها إنه إذا ما وصل الإخوان للحكم فإنهم لن يلغوا المعاهدة. وفي ذلك الوقت فهمت أقوال "العريان" وكأن الإخوان المسلمون يعتزمون الإعتراف بإسرائيل، فأثارت عاصفة كبيرة في أرجاء العامل الإسلامي. وعليه فقد سارع "العريان" إلى شرح أقواله قائلاً: "أن كل حكومة ملزمة بإحترام الاتفاقيات الموقعة، بما فيها معاهدة السلام، وأن الشعب المصري هو الوحيد المخول بإلغاء الاتفاقيات أو المعاهدات، وهذا هو موقف الإخوان المسلمين. أما إمكانية الإعتراف بإسرائيل فهي أمر متعذر". كما شرح "العريان" أنه بعد أن يصعد الإخوان المسلمين إلى الحكم، سيستخدمون وسائل مثل الاستفتاء الشعبي، أو التوجه إلى البرلمان لإلغاء معاهدة السلام. كما يرتبط بما سبق دعوة مرشد الجماعة "محمد بديع" الرئيس السابق "مبارك" في إبريل 2010، إلى إلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية تمامًا، مؤكداً أنها معاهدة فاشلة، وفقدت كل شروطها، فهي لا تتناسب وقوانين الإسلام، ولا تخدم مصلحة الأمة الإسلامية، ولم تجلب سوى المفاسد. ومن ناحية أخرى، طالب "أبو العلا ماضي" -رئيس حزب الوسط الجديد ذو المرجعية الإسلامية- بإلغاء معاهدة السلام الموقعة مع "إسرائيل"، لما تتضمنه من شروط مجحفة في حق الجانب المصري". - التيارات الليبرالية:
"على سبيل المثال دعا رئيس حزب الغد، والمرشح لانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة "أيمن نور"، إلى إعادة التفاوض على "اتفاقيات كامب ديفيد" من عام 1978، التي كانت الأساس للمعاهدة التي وقِّعت في مارس عام 1979، حيث أشار إلى أنه: "على مصر أن تجري على الأقل مفاوضات حول شروط الاتفاقية". ومن المعتقد أن يكون الهدف من هذه الدعوة هو إعادة النظر في القيود المفروضة على حجم القوات المصرية وعمق وجودها في سيناء". كذلك، "أعلن "السيد البدوي" رئيس حزب الوفد، أنه سيعمل على إلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية حال فوزه في الانتخابات الرئاسية، وأرجع ذلك إلى عدم احترام إسرائيل لبنود الإتفاقية على حد قوله". كما توقع عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين أن يتم إعادة النظر في معاهدة السلام مع إسرائيل، فعلى سبيل المثال قال الخبير الاستراتيجي بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام الدكتور "عبد العليم محمد" أنه من المرجح أن تتم مراجعة معاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية وذلك خلال السنوات الخمس المقبلة، كون بعض بنودها تنتهك السيادة المصرية، مشيرا إلى أن إعادة النظر في الاتفاقية سوف ينعكس إيجابيًا على قضية الصراع العربي الإسرائيلي. ب- أهم الحجج والأسانيد القانونية التي تسوقها هذه القوى:
يمكن تلخيص أبرز الحجج التي يستند إليها الداعون إلى مراجعة معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فيما يلي:
1- القول ببطلان المعاهدة استنادًا إلى توقيعها إبان فترة الإحتلال الإسرائيلي لسيناء، ومن ثبوت شرط الإكراه:
ويستند هذا الرأى إلى مجموعة من وقائع الإكراه؛ سواء المتعلقة بمصر كأحد أطراف المعاهدة، أو المتعلقة بممثل مصر في المفاوضات الخاصة بالمعاهدة، أى الرئيس السابق "أنور السادات". وتتلخص هذه الوقائع في الآتي:
أولاً: احتلال سيناء:
فهذه المعاهدة تم التفاوض عليها وتوقيعها في ظل مرابطة الجيش الإسرائيلي على الأراضي المصرية، أي إنها وقعت تحت الإكراه، ومن ثم فإن إرادة المفاوض المصري لم تكن حرة بل كانت معيبة، والإرادة المعيبة تبطل التصرف من أساسه. وانعكس الإكراه بشكل واضح من خلال فرض قيود شديدة على السيادة المصرية، فسيناء باتت منطقة شبه منزوعة السلاح وتفتقر إلى أي حماية فعلية من جانب مصر، وبالمقابل فإن القيود على الجانب الإسرائيلي محدودة جداً. واستناداً إلى ما تقدم فإن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية معاهدة غير متكافئة، وجاءت على حساب السيادة المصرية لمصلحة الأمن الإسرائيلي، والسبب في ذلك هو التفاوض تحت الإكراه، ويترتب على ذلك بطلان هذه المعاهدة بطلاناً مطلقاً، تطبيقاً للمادة 52 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي نصت على: "تعتبر المعاهدة باطلة بطلاناً مطلقاً إذا تم إبرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة أو استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة". ثانيًا: التهديدات العسكرية "الإسرائيلية" قبل زيارة القدس 1977: ففي خطابه أمام مجلس الشعب المصري في 26 نوفمبر 1977 وبعد عودته من القدس قال الرئيس السابق "أنور السادات" أنه أبلغ وزير الدفاع "الإسرائيلي "عيزرا وايزمان" بأن لديه تقارير مخابراتية تفيد بأن إسرائيل كانت ستوجه ضربة مفاجئة إلى مصر في ذلك التوقيت.
ثالثاً: تهديد الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" للرئيس السادات:
ذكر الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" أنه عندما علم أن السادات قرر الانسحاب من المفاوضات في كامب ديفيد والعودة إلى القاهرة فإنه توجه إلى "السادات" بشرح النتائج بالغة الخطورة التي تترتب على إنهائه المفاوضات من جانب واحد، وأن عمله سيضر بالعلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، وأن مسئولية الفشل سيتحملها الرئيس السادات شخصيًا. رابعًا: التهديد الأمريكي الصريح لمصر:
في 25 مارس 1979 –أي قبل يوم واحد من توقيع الاتفاقية- تسلمت مصر رسالة من الولايات المتحدة الأمريكية تتضمن مذكرة تحمل عنوان "مذكرة التفاهم الأمريكية- الإسرائيلية" جاء فيها: 1- "حق الولايات المتحدة في اتخاذ ما تعتبره ملائمًا من إجراءات، في حال حدوث انتهاك لمعاهدة السلام أو تهديد بالانتهاك؛ بما في ذلك الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.
2- تقدم الولايات المتحدة ما تراه لازمًا من مساندة لما تقوم به إسرائيل من أعمال لمواجهة مثل هذه الانتهاكات، خاصةً إذا ما رُئي أن الانتهاك يهدد أمن إسرائيل؛ بما في ذلك- على سبيل المثال- تعرض إسرائيل لحصار يمنعها من استخدام الممرات المائية الدولية وانتهاك بنود معاهدة السلام بشأن الحد من القوات، وشنِّ هجومٍ مسلَّح على إسرائيل، وفي هذه الحالة فإن الولايات المتحدة الأمريكية على استعداد للنظر بعين الاعتبار وبصورة عاجلة في اتخاذ اجراءات، مثل تعزيز وجود الولايات المتحدة في المنطقة وتزويد إسرائيل بالشحنات العاجلة وممارسة حقوقها البحرية لوضع حد للانتهاك.
3- سوف تعمل الولايات المتحدة بتصريح ومصادقة الكونجرس على النظر بعين الرعاية لطلبات المساعدة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل وتسعى لتلبيتها". وترتب على كل ما سبق، "أن التدابير الأمنية -المنصوص عليها في البروتوكول الأول بشأن الانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن، والذي ألحق بمعاهدة السلام ذاتها- جاءت متشددة للغاية في مواجهة الجانب المصري، حيث عمدت إلى نزع سلاح ثلثي شبه جزيرة سيناء، وهذا الوضع في حد ذاته قد يعني خضوع هذا التقييد الصارخ لسيادة الدولة المصرية على أراضيها، لأحكام المادة (52) من إتفاقية فيينا، السابق الإشارة إليها، لما يحتمله من شبهة استخدام القوة". وبناء على ما سبق، يقترح هذا الرأي أن تلجأ مصر إلى اتباع الإجراءات الواردة في أحكام إتفاقية فيينا من أجل الوصول إلى التحقق من قيام حالة البطلان ثم إعلانه. وهذه الإجراءات تتكون من مرحلتين، الأولى: حل النزاع حول البطلان باتفاق بين الأطراف طبقاً للمادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، وهذه المادة نصت على عدة طرق من بينها المفاوضة، والتحقيق، والوساطة، والتوفيق. والمرحلة الثانية هي مرحلة عرض النزاع على جهة محايدة قد تكون لجنة توفيق، أو محكمة العدل الدولية، أو محكمة تحكيم دولية. 2- إلغاء معاهدة السلام- استنادًا إلى توافر شرط التغير الجوهري في الظروف:
ترى بعض التيارات والقوى السياسية أن الدول التى يتغير نظامها السياسي الداخلى –وهو ما ينطبق على مصر فيما بعد الثورة- يمكن أن تتحجج بمبدأ التغير الجوهرى في الظروف أو Fundamental Change of Circumstances لكي تعيد النظر في بعض الإتفاقيات التي أبرمتها في السابق. ويدعم هذا الرأي على وجهه نظره استنادًا إلى قيام مصر مرتين فى تاريخها الحديث باستخدام هذا الحق؛ الأولى: عندما قامت حكومة النحاس باشا فى أكتوبر 1951 بإلغاء معاهدة 1936. والثانية: فى مارس 1976 عندما قرر الرئيس السادات إلغاء معاهدة الصداقة التى أبرمت مع الاتحاد السوفييتى عام 1971. ولعله يكون من المفيد أن نذكر هنا بأنه قد سبق الدفع بنظرية التغير الجوهري في الظروف في مواجهه معاهدة السلام ذاتها، وذلك فى عام 1981، حينما هدد الاتحاد السوفيتي السابق باستخدام الفيتو ضد تشكيل قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة تطبيقًا لما جاء في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، حيث صمم الاتحاد السوفيتي على مواجهة أية محاولة لتوسيع مهام قوات الطوارئ الدولية القائمة في سيناء منذ إبرام إتفاقيتي فك الإشتباك المصري- الإسرائيلي. وتبع ذلك أيضًا رفض الجمعية العامة للأمم المتحدة الإضطلاع بمهمة تشكيل قوات حفظ سلام على نحو ما يخوله لها قرار الاتحاد من أجل السلام لأغراض فشل مجلس الأمن في تشكيل مثل هذه القوات. وإزاء هذا الوضع، تقدمت الولايات المتحدة باقتراح إنشاء قوة مخصصة لصيانة السلم في سيناء بعيدًا عن منظمة الأمم المتحدة، وتحمس الإسرائيليون لهذه الفكرة، وتم توقيع البروتوكول المنشئ لهذه القوة في 3 أغسطس 1981. ونتيجة لهذا رأى بعض الخبراء حينئذ أنه يمكن الدفع بمبدأ التغير الجوهرى في الظروف، لأن رفض الأمم المتحدة –أو عدم قدرتها على اتخاذ قرار تشكيل القوات المنصوص عليها في المعاهدة يعد في حد ذاته تغيير جوهريًا في ظروف إبرام المعاهدة". 3- إلغاء المعاهدة إستنادًا إلى تعارضها مع إتفاقية الدفاع العربي المشترك:
يرى البعض أن هناك تعارضًا بين معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية الموقعة في 1979، وبين اتفاقية الدفاع العربي المشترك، فإتفاقية كامب ديفيد عام 1979 تغطي التزاماتها على أي التزامات عسكرية أخرى لمصر بموجب أيه معاهدات دولية، وهي تتعارض بشكل جوهري مع إتفاقية الدفاع المشترك، لأن هذه الأخيرة تنص على قيام كل دولة موقعة عليها بالالتزام بالدفاع عن أية دولة أخرى طرف في حالة تعرضها للعدوان, ولما كان الخطر الأكبر الذي يواجه الدول العربية هو خطر المواجهة العسكرية مع إسرائيل، فإن إتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية تقضي على إتفاقية الدفاع المشترك لإنها تنص على عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدمها بشكل متبادل.
4- إلغاء المعاهدة إستنادًا إلى الإخلال الجوهري من جانب إسرائيل ببنودها:
"من المعروف أن إتفاقية كامب ديفيد لها شقان، شق منهما يتعين بموجبه على إسرائيل الالتزام بتعهُّـداتها بعدم الاعتداء على أي دولة عربية، وهذا الأمر لم تلتزم به إسرائيل حتى اليوم؛ فمنذ التوقيع على هذه الاتفاقية وحتى الآن استمر إخلال إسرائيل ببنود الاتفاقية، بالاعتداء على الفلسطينيين وكذلك على الشعب اللبناني". ومن ناحية أخرى، فإن قيام إسرائيل مؤخرًا بتحويل مسئولية حماية الحدود الجنوبية مع مصر من عناصر قوات حرس الحدود إلى لواء عسكرى مسلح من قوات الاحتياط –والذي سيتم التعرض له لاحقًا- بالمخالفة إلى أحكام معاهدة السلام، يمكن أيضًا أن يمثل عاملاً آخر من عوامل الإخلال ببنود المعاهدة من جانب إسرائيل.
ومن ناحية ثالثة، فإن إنتهاك إسرائيل الدائم للحدود المصرية إبان فترات الهجوم الجوي على قطاع غزة، وإختراقها للشريط الحدودى الفصل، يمثل أيضًا إخلالاً ببنود المعاهدة.
وأخيرًا، جاءت أحداث 18 و19 أغسطس، لتشكل ذروة الاختراق الإسرائيلي لأراضي سيناء، والتعدي على السيادة المصرية، بحجة عدم قدرة مصر على فرض حمايتها على سيناء في أعقاب ثورة 25 يناير، وسوف نتحدث تفصيلاً عن هذه الأحداث وتداعياتها على إتفاقية السلام في الجزء الأخير من هذا المبحث.
ثانيًا: رد الفعل الإسرائيلي على دعاوى إعادة النظر في معاهدة السلام
في البداية نشير إلى أن المسئولين الإسرائيليين -وفي مقدمتهم رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"- حرصوا طوال أسابيع الثورة المصرية على المطالبة بضرورة التزام النظام التالي لنظام "حسني مبارك" بمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، ولعل هذا ينم عن شدة الهواجس التي كانت تنتاب هؤلاء المسئولون من أن تمس هذه المعاهدة، أو تكون محلاً للتغيير أو الإلغاء في حالة وصول قوى متطرفة للسلطة في مصر. وأثناء الثورة المصرية، أولت المؤسسة الأمنية والقادة الإسرائيليون والباحثون وأساتذة الجامعات والصحفيون اهتماماً كبيراً بتأثير الثورة المصرية على مستقبل اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وفي الأسبوع الأول للثورة المصرية، حلل "عاموس هارئيل" –الكاتب في هآرتس- تأثيرات هذه الثورة على إسرائيل على المستويين القريب والبعيد؛ فعلى المدى القريب أشار إلى أنه سيتضرر التنسيق الأمني الخفي الجاري بين مصر وإسرائيل، ويحدث انفراج في علاقات مصر مع حكومة حماس في قطاع غزة، ويقود إلى المساس بمكانة القوة متعددة الجنسيات في سيناء، ومنع السفن الحربية الإسرائيلية من المرور في قناة السويس. أما على المدى البعيد فأشار "عاموس هارئيل" إلى أنه إذا جاء نظام حكم راديكالي فسيجمد السلام بين إسرائيل ومصر تجميداً حقيقياً، وإذا حدث هذا الأمر، فإنه يستدعي إعادة تنظيم الجيش الإسرائيلي مجدداً لكي يتجاوب مع الوضع الجديد. وكما هو متوقع، فإن إسرائيل نظرت بعين القلق إلى الأحداث في مصر خوفًا من أمرين رئيسيين، أولهما أن يؤدي سقوط نظام "مبارك" إلى المجئ بجماعة "الاخوان المسلمون" إلى سدة الحكم فيبدأون في إمداد "حماس" بما يلزمها من سلاح، وثانيهما هو أن أي نقض محتمل لإتفاقيات كامب ديفيد سوف يعني حربًا مع الجيش المصري الذي يحتل المرتبة الحادية عشرة في العالم من حيث الحجم، ويتمتع بحيازته الأسلحة الأميركية المتطورة. بل أن هناك أيضًا احتمال التحالف العسكري بين الجيش المصري وبين حماس –حال وصول التيارات الإسلامية وتحديدًا الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم. ومن ثم فإنه استباقًا للأحداث، وقبيل إعلان مبارك تنحيه عن الحكم، أعلن "جابى أشكنازى" رئيس الأركان الإسرائيلية المنتهية ولايته في خطاب له أمام مؤتمر "هرتسيليا" السنوي أنه يتوجب على إسرائيل الاستعداد لحرب شاملة على ضوء المتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والاستعداد للمواجهة في أكثر من ساحة وجبهة. وفي نفس الإطار، أكد الزعيم البارز في حزب 'العمل' الإسرائيلي "بنيامين بن اليعازر" في الأيام الأولى للثورة المصرية: "إن أي نظام قد يحكم مصر سيحترم معاهدة السلام مع تل أبيب، إلا في حالة وصول نظام مدعوم من حركة الإخوان المسلمين". وفي ذات السياق، "طالب "بنيامين نتنياهو" المجتمع الدولي بضمان إلتزام أي حكومة مصرية جديدة بالحفاظ على معاهدة السلام مع اسرائيل". كما أعرب "نتنياهو" عن قلقه من تصاعد الدعوات المطالبة بإلغاء معاهدة السلام داخل مصر، "حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال لقائه مع وفد مؤلف من 8 أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي: "إنه قلق من دعوات في مصر تطالب بإلغاء اتفاقية السلام مع “إسرائيل”، ودعا إلى ممارسة ضغوط على مصر لمواصلة احترام الاتفاقية. ودعا نتنياهو المجتمع الدولي إلى “توضيح التوقعات من مصر بشأن مواصلة احترام اتفاقية السلام". ولعل هذا ما دفع "روبرت جيبز" -المتحدث باسم البيت الأبيض- يوم الجمعة 11/2/2011، إلى التصريح بأنه من المهم أن تعترف الحكومة المصرية القادمة باتفاقات السلام المبرمة مع حكومة إسرائيل". وعقب تنحي "مبارك"، وصدور البيان الرابع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق الإشارة إليه، رحب "بنيامين نتنياهو" -رئيس الوزراء الاسرائيلى- بهذا البيان واعتبره أحد ركائز الحفاظ على السلام والاستقرار فى الشرق الاوسط.
بيد أنه من الواضح أن القلق الإسرائيلي لم ينته بعد صدور بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث صرح "نتنياهو" أمام وفد أوروبي يزور الكنيست قائلاً: "من الممكن أن تكون هناك إصلاحات ليبرالية وديمقراطية في مصر. والاحتمال الثاني هو أن ينتهز الاسلاميون فرصة الانقلاب للسيطرة على البلاد، وثالثًا هناك إمكانية أن تحذو مصر حذو إيران". وبدأ القادة الإسرائيليون في الحديث عن البدائل المتاحة التي يمكن أن تتبعها إسرائيل في حالة إلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، مع تكرارهم الواضح للحديث عن مستوى الجيش المصري عددًا وتسليحاً في إشارة واضحة إلى ما يعتقدونه من إمكانية حدوث مواجهة عسكرية مباشرة جراء إلغاء معاهدة السلام. ومع إنطلاق دعاوى تعديل معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية من بعض القوى والتيارات في مصر –والسابق الإشارة إليها- تفاقم القلق الإسرائيلي من أن تقوم الحكومة الجديدة التي تقودها جماعات المعارضة أو الإخوان المسلمين في مصر بخطوات سيكون أكثر عدائية تجاه الدولة اليهودية إلى الحد الذي قد يصل إلى إلغاء معاهدة السلام. "فإذا كان الجيش المصري لا توجد لديه مصلحة واضحة في إلغاء المعاهدة، فإنه في النهاية يظل مجرد فاعل واحد من بين فاعلين آخرين موجودين على الساحة السياسية فى مصر". وفي هذا الإطار من الخوف والترقب، جاءت الخطوة الأكثر خطورة من جانب إسرائيل، حيث قامت الحكومة الإسرائيلية في أعقاب ذلك، هو زيادة ميزانيتها العسكرية بنحو 700 مليون دولار، كما تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي "إيهود باراك" -يوم 8/3/2011 في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"- عن أن "إسرائيل" قد تطلب مساعدة عسكرية أميركية إضافية بقيمة عشرين مليار دولار. ثالثًا: تطورات الأوضاع على الحدود المصرية - الإسرائيلية
يمكن رصد مجموعة من الأحداث التى شكلت في مجملها تصعيدًا للموقف بين مصر وإسرائيل في الفترة الأخيرة، ابتداءً من شهر يونيه 2011 وحتى اللحظة الراهنة. وسوف نعرض فيما يلي لهذه الأحداث بشكل موجز، ثم ننتقل للحديث عن ردود الأفعال التي آثارتها داخل الجانبين المصري والإسرائيلي، وما صاحب ذلك من إعادة فتح ملف معاهدة السلام وإمكانية إلغائها أو تعديلها.
(1) تطورات الاوضاع على أرض الميدان، وبوادر الأزمة:
في 3 يونيه 2011، "قررت القيادة المركزية للجيش الإسرائيلى تحويل مسئولية حماية الحدود الجنوبية مع مصر من عناصر قوات حرس الحدود إلى لواء عسكرى مسلح من قوات الاحتياط المتواجد بالمنطقة الجنوبية العسكرية، مما يعد خرقاً صريحاً لاتفاقية كامب ديفيد، حيث تنص هذه الاتفاقية على أن يتمركز بالمنطقة (د) داخل الحدود الإسرائيلية المتاخمة للحدود المصرية، والتى تمتد من شرق مدينة رفح إلى إيلات بعرض 2.5 كيلومتر قوات من حرس الحدود الإسرائيلى أو الشرطة الإسرائيلية فقط، على ألا يزيد عدد عناصرها على 4000 جندى بدون دبابات أو مدفعية ولا صواريخ، عدا صواريخ فردية (أرض/ جو) محملة على الكتف، وبالتالى فإن نقل مسئولية حراسة الحدود من قوات حرس الحدود التى لا تحمل أى أسلحة ثقيلة للواء عسكرى لديه أسلحة ومعدات عسكرية وقتالية ثقيلة يعد خرقا صارخا للملحق العسكرى رقم (1) المرفق بالاتفاقية". وفي 18 أغسطس 2011، قامت مجموعة من المسلحين بإطلاق النيران على 3 حافلات إسرائيلية قرب مدينة إيلات، وهو ما أسفر عن مقتل عدد من الإسرائيليين، وإصابة عدد آخر. وتمثل رد الفعل الإسرائيلي في تصريح رئيس الوزراء "بنيامين نيتنياهو" مباشرة بعد وقوع تلك الأحداث بأن منفذي تلك العمليات جاءوا من سيناء، واتهم مصر بعد قدرتها على توفير الحماية الأمنية في سيناء. وفى أعقاب ذلك، شهدت الحدود المصرية - الإسرائيلية توترات إثر قيام إسرائيل بملاحقة مجموعة من المسلحين الذى اتهمتهم بتنفيذ تلك العمليات إلى داخل الأراضي المصرية، وهو ما أسفر عن استشهاد ضابط وأربعة جنود مصريين نتيجة توغل وحدة إسرائيلية داخل الأراضي المصرية، واشتباكها مع وحدة الشرطة المتمركزة عند النقطة 79، وذلك وفقًا لتقرير قوات حفظ السلام الدولية المتمركزة في سيناء، والذي جاء مخالفًا للرواية الإسرائيلية التى أشارت إلى أن طائرة هليكوبتر تابعة للجيش الإسرائيلي كانت تلاحق مسلحين؛ فلما تسللوا إلى سيناء لاحقتهم وأطلقت النار عليهم فقتلت ضابطًا و 4 مجندين بالخطأ.
والواقع أن تلك الأحداث جاءت في ظل تحذيرات عديدة أطلقها خبراء مصريون في مجال الأمن من مخطط إسرائيلي للاستيلاء على جزء من شبه جزيرة سيناء المصرية، بدعم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك كإجراء احترازي عقب سقوط نظام "حسني مبارك" في مصر في ثورة 25 يناير؛ فعلى سبيل المثال، قال اللواء "سامح سيف اليزل"، الخبير الأمني: "إن إسرائيل لديها خطة لعبور الحدود المصرية، لاحتلال مسافة تتراوح بين خمسة وسبعة كيلومترات من شبه جزيرة سيناء، بدعوى تأمين حدودها"، مشيراً إلى تأييد القوى الدولية لهم في حال حدوث ذلك. كذلك، أكد الخبير الأمني "إبراهيم صلاح" أن "ما يحدث خطة أمريكية - إسرائيلية تم تسريبها منذ اندلاع ثورة 25 يناير، وأن إسرائيل أقنعت الولايات المتحدة بأن زوال نظام مبارك يهدد استقرار حدودها مع مصر، وبالتالي فمن مصلحتها تأمين تلك الحدود باحتلال جزء من سيناء تحت أي ذريعة". ومن ناحية أخرى، أشارت صحيفة "المصري اليوم" عن مصادر أمنية مصرية قولها: "أن إسرائيل تسعى لتوصيل رسالة للعالم، مفادها أن مصر ليس لديها القدرة للسيطرة على الأمن فى سيناء، وأن حدودها مع مصر غير آمنة". ولم تستبعد الصحيفة أن تطلب تل أبيب في الفترة المقبلة فرض الوصاية الدولية على سيناء، وإحضار قوات دولية لمراقبة الحدود بين مصر والأراضي المحتلة عام 1948، وأشارت إلى أن حادث إيلات قد يكون بداية لتأكيد وجهة النظر الإسرائيلية للعالم، وأنه من غير المستبعد أن يكون قد تم بعلم المخابرات الإسرائيلية. وبصرف النظر على مدى صحة هذه المزاعم، وما إذا كانت مبنية على تحليل محايد لمعلومات مؤكدة أم أنها مجرد تكهنات لا ترقى إلى مستوى المعلومات، أو حتى مجرد محاولة لشغل الرأي العام في مصر وإسرائيل عن الأوضاع الداخلية في كل منهما -لاسيما في ضوء الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة في إسرائيل على أداء حكومة "نتنياهو"، وأيضًا في ضوء تزايد الانتقادات الموجهة إلى المجلس العسكري الحاكم في مصر، واتهامه بالتباطؤ في إجراء المحاكمات لرموز نظام "مبارك"، وعدم قيامه بطرح سيناريو واضح لكيفية تسليم السلطة إلى أطراف مدنية- فإن الأمر المؤكد هنا هو أن هذه الأحداث كان لها تأثير كبير في إعادة فتح ملف معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، حيث رأت العديد من القوى السياسية المصرية أن ما حدث يعد انتهاكًا للمعاهدة من جانب إسرائيل، وهو ما يتطلب وجود موقف مصري حاسم، حتى وإن كان إلغاء تلك المعاهدة أو على الأقل تعديلها.
(2) الموقف المصري:
أ- الموقف غير الرسمي (مواقف القوى السياسية):
أجمعت القوى السياسية (الإسلامية والليبرالية) على أن ما حدث لا يجب أن يمر مرور الكرام، وأن مصر بعد ثورة 25 يناير يجب أن تتسم سياستها تجاه إسرائيل بالحسم والصلابة لا المهادنة أو الإذعان. وشهد اليومان التاليان على تلك الأحداث مظاهرات عارمة في عدد من المدن المصرية تنادي باتخاذ المجلس العسكري وحكومة تسيير الأعمال موقف حاسم تجاه إسرائيل، وتلخصت المطالب بشكل عام في طرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، وسحب السفير المصري من تل أبيب، وإلغاء كامب ديفيد لأنها تحرم مصر من بسط سيطرتها الأمنية على كافة أرجاء سيناء، وهو ما تستغله إسرائيل للتهديد بإعادة احتلال أجزاء من سيناء.
فعلى سبيل المثال، أشارت جماعة الاخوان المسلمين في البيان الذي أصدرته فى أعقاب تلك الأحداث إلى: "إن هذه الجريمة ينبغي أن تفرض علينا تغيير سياساتنا تجاه قضايا جوهرية، بدءًا من عدم السكوت على أي عدوان، وطرد السفير الصهيوني من القاهرة، وسحب السفير المصري من تل أبيب، وفرض السيادة الوطنية الكاملة على أرض سيناء بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد...". كما صرح د. السيد البدوي –رئيس حزب الوفد- أن" "إسرائيل يجب أن تدرك أن أوراق كامب ديفيد لم تكتب في السماء وأن بقاء سفارتهم في القاهرة مهدد بقوة المصريين وإرادهم". كذلك، طالبت "الجمعية الوطنية للتغيير" بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد بصورة تضمن السيادة المصرية المطلقة علي سيناء وإنتشار القوات المسلحة المصرية علي كل شبر منها؛ تمهيدًا لبدء مشروع قومي متكامل لإعمارها وتنميتها, ووقف تصدير الغاز المصري إلي الكيان الاسرائيلي، وإلغاء اتفاقية الكويز. كما طالبت حركة شباب 6 إبريل المجلس العسكرى وحكومة تسيير الأعمال بالاستجابة للمطالب الشعبية بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل، وببدء مراجعة اتفاقية كامب ديفيد بهدف بسط كامل الحماية العسكرية والسيادة المصرية "كاملة بدون قيود أو استئذان" على أرض سيناء. وبشكل عام، اتفقت القوى السياسية على أن أساس المشكلة يكمن في أن اتفاقية السلام التي تمنع مصر من الاحتفاظ بقوات كبيرة في سيناء، وتحدد عدد قوات الشرطة التي تقف على الحدود بـ 750 جنديًا فقط (بعد التعديل الذى أجرى عام 2005 ليرتفع العدد من 450 إلى 750) برغم أن الحدود بين مصر وإسرائيل تمتد إلى أكثر من 200 كيلو متر، وبالتالى فالأمر يستلزم تعديل بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد وخاصة الملحق العسكري وخاصة المنطقة (ج) على الحدود مع إسرائيل ونشر 4 آلاف جندي على الأقل، ويستلزم أيضًا تعديل المنطقة (د) داخل إسرائيل وإخلاؤها من الآليات والطائرات الحربية، وهذا هو ما ركز عليه خبراء عسكريون وأمنيون مصريون عدوا ما جرى في سيناء فرصة ذهبية لمصر لمطالبة إسرائيل وأمريكا بتعديل اتفاقية كامب ديفيد؛ فطالما أنهم يشّكون من عدم قدرة مصر على السيطرة على سيناء ويهددون بدخول سيناء لحفظ أمنهم بأنفسهم، فعليهم أن يسمحوا لمصر بنشر مزيد من القوات بسيناء للسيطرة عليها أمنيا وبالتالي منع امتداد عمليات المقاومة لهم منها. ب- الموقف الرسمي:
تمثل رد الفعل الرسمي المصري في إصدار ثلاث بيانات متتالية عن تلك الأحداث، الأول في 19 أغسطس 2011، أدانت فيه الحكومة المصرية الحادث الذى أدى لاستشهاد وإصابة عدد من أبناء مصر، وطالبت إسرائيل بتقديم الاعتذار الرسمى لمصر عن هذا الحادث، كما أكد البيان على قدرة مصر على حماية حدودها وتأمين أرض سيناء تأميناً كاملاً، وحمل البيان تكليفًا لوزير الخارجية المصري باستدعاء السفير الإسرائيلى بالقاهرة وإبلاغه رسمياً احتجاج مصر على إطلاق النار داخل الجانب الإسرائيلى بشكل أدى لسقوط ضحايا مصريين، وأخيرًا طالب البيان بإجراء تحقيق رسمى مشترك لكشف ملابسات الحادث وتحديد المسئولين عنه واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة على نحو يحفظ حقوق الضحايا والمصابين المصريين. أما البيان الثانى، والذي جاء بعد فترة من التخبط بسبب انتشار شائعات قوية تشير إلى احتمال قيام مصر بسحب سفيرها من إسرائيل، وهو الأمر الذي كانت تنتظره القوى السياسية وأعداد غفيرة من المواطنين، فقد خلا هذا البيان من أيه إشارة إلى سحب مصر لسفيرها من إسرائيل، أو إبلاغ السفير الإسرائيلي بأنه شخص غير مرغوب فيه على الأراضي المصرية، وإنما أكتفي البيان بالإشارة إلى أن بيان الإعتذار والأسف الإسرائيلى عن تلك الأحداث وإن كان إيجابيًا فى ظاهره، إلا أنه لا يتناسب مع جسامة الحادث وحالة الغضب المصرى من التصرفات الإسرائيلية. وأن مصر إذ تؤكد حرصها على السلام مع إسرائيل إلا أن تل أبيب ينبغي عليها أن تتحمل مسئولياتها أيضا فى حماية هذا السلام. كما أشار البيان إلى أن الحكومة المصرية تعتبر الموافقة على إجراء تحقيق مشترك لكشف ملابسات الحادث خطوة أساسية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث. وكما هو واضح فإن أي من البيانين المذكورين أعلاه لم يتضمن أيه إشارة تتعلق باتفاقية كامب ديفيد، ومن الجدير بالذكر أن موقف الحكومة المصرية بشكل عام جاء مخيبًا لآمال قطاعات عريضة من المواطنني والقوى السياسية التى اعتبرت أنه لا يعبر عن مصر ما بعد الثورة، وتوالت المظاهرات الحاشدة للمطالبة برد أكثر حسمًا، وهو ما دفع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإصدار بيان –ألقاه وزير الإعلام المصري- في 21 أغسطس 2011، جاء فيه مطالبة المجلس للحكومة الإسرائيلية بتحديد سقف زمنى للإنتهاء من التحقيقات المشتركة، والإعلان عن الإجراءات التي ستتخذها إسرائيل لمنع تكرار مثل هذه الحوادث. ثم أشار هذا البيان –بخلاف سابقيه- إلى أن إلتزام مصر بمعاهدة السلام هو أمر ينبغى أن يقابله التزام مماثل وضبط في التصريحات والتصرفات الإسرائيلية فيما يتعلق بالقضايا المختلفة بين البلدين.
إذن يتضح من هذا التصريح هو محاولة توصيل رسالة إلى الجانب الإسرائيلي مفادها أن الإلتزام بمعاهدة السلام هو مسئولية مشتركة من البلدين وليس مسئولية مصر وحدها، وهو ما يعد في حد ذاته تطورًا في الموقف المصري.
(3) الموقف الإسرائيلي:
فيما يتعلق بالموقف الرسمي، أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي "إيهود باراك" يوم السبت 20 أغسطس عن أسف بلاده لمقتل عناصر الشرطة المصرية على الحدود بين البلدين في أعقاب الهجوم الذي وقع بمنتجع إيلات. وأشار كذلك إلى الأهمية الشديدة لإتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وما تمثله من قيمة إستراتيجية للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط, كما أشاد بـ "التعقل والمسئولية" التي تعامل بها الجانب المصري مع الموقف في الأحداث الأخيرة، وأخيرًا أكد البدء في إجراء تحقيق عسكري مشترك مع الجيش المصري للكشف عن ملابسات الحادث. كذلك أشار "عاموس جلعاد" رئيس الهيئة السياسية والأمنية بوزارة الدفاع الإسرائيلية -فى تصريح لراديو إسرائيل- إلى أهمية العلاقات بين مصر وإسرائيل على الصعيد الاستراتيجى، وشدد على ضرورة الحفاظ عليها، كما أكد أن إسرائيل لم تتلق أى مطلب مصرى من أجل مناقشة تغيير اتفاقية السلام، وأضاف قائلاً: "ليست هناك أى نية لدى أى فرد فى المؤسسة الأمنية أو الجيش الإسرائيلى لإلحاق الضرر بأفراد الشرطة أو الجنود المصريين". وجدير بالذكر أن إسرائيل تشكو منذ نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط نظام "مبارك" من أن الحكومة المصرية الانتقالية قد فشلت في استعادة الأمن على الحدود المشتركة في شبه جزيرة سيناء، وهو ما أدى إلى سلسلة من خمسة تفجيرات لعرقلة تدفق الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل، رغم أن إسرائيل كانت قد سمحت للجيش المصري بإرسال 1000 جندي إضافي إلى منطقة الحدود في سيناء، وذلك استثناءً عن معاهدة السلام. أما على مستوى التصريحات والمواقف غير الرسمية، ذكرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني أن تفجيرات إيلات "جرحت السلام" مع مصر، لكنها لم تضره بشدة، وتوقعت أن يكون القادم أسوأ، بعد رحيل "مبارك". واعتبرت الصحيفة أن هذا السلام كان الركيزة الأساسية لأمن إسرائيل على مدى ثلاثة عقود، وأنه مع انهيار نظام "مبارك" فقدت إسرائيل شريكا قويًا؛ فحينما كانت إسرائيل تسيطر على الحدود بين غزة ومصر، ساد قدر معقول من الأمن على طول الحدود بين رفح وإيلات. وعلى مستوى الرأى العام، نجد أن الشارع الإسرائيلي قد انقسم إلى تيارين فيما يتعلق بمستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد التوترات التي شهدتها الحدود بينهما؛ التيار الأول يطالب بالحرب على مصر، وإلغاء اتفاقية كامب ديفيد، واحتلال سيناء، أما التيار الآخر فيتمسك بالسلام ويدعو إلى عدم الانجرار خلف دعاوى الحرب حفاظًا على استقرار إسرائيل وحماية الأجيال الإسرائيلية القادمة من نزيف الدم.
فبحسب تعليقات لقراء وكتاب في الصحف الإسرائيلية، يرى أصحاب التيار الأول أن مصر تسعى بكل قوتها بعد سقوط نظام مبارك إلى إلغاء اتفاقية كامب ديفيد، كما تسعى لإمداد حماس بالأسلحة لمقاومة إسرائيل، وبالتالي يرى هذا الاتجاه أن على إسرائيل أن تتأهب للحرب مع القاهرة وتستعد للدفاع عن نفسها بشتى الوسائل في ظل التوقعات القوية بسيطرة الإخوان المسلمين على الانتخابات المقبلة وحكم البلاد. وذهبت بعض التعليقات الإسرائيلية حول موقف إسرائيل من اتفاقية السلام في المستقبل -وهل ستعمل بها أم ستلغيها حفاظًا على كيانها في مواجهة أي تهديد محتمل من الجانب المصري على حد وصف الإسرائيليين- إلى المطالبة "باسترداد سيناء" التي سلبها منهم المصريون عبر اتفاقية كامب ديفيد بحسب التعليقات. وعلى الجانب الآخر، يطالب التيار الثاني داخل الشارع الإسرائيلي –وإن بدا أضعف من الأول- بالتهدئة والحفاظ على السلام ببين مصر وإسرائيل، وأنه على إسرائيل أن تتعامل بحذر شديد مع مصر لتفادي انزلاق البلاد إلى كارثة الحرب حتى لو تم تقديم تنازلات من أجل السلام؛ لاسيما وأن إسرائيل لن تتمكن من إيقاف مقاتلي غزة أو لبنان، ومن ثم سيكون الوضع أكثر تعقيدا في حالة الاشتباك مع الجيش المصري. كما أشار هذا التيار إلى أن مصر باعتبارها دولة ذات سيادة، فإن أي انتهاك لحدودها ولاتفاقية السلام سيعد انتهاكاً للقانون الدولي.
المبحث الثالث
مشروعية الدعوة إلى إنهاء العمل بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أو تعديلها
سيتم في هذا المبحث تطبيق للقواعد القانونية التى تم شرحها في المبحث الأول على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بشكل محدد، وذلك في ضوء الحجج والأسانيد التي تسوقها القوي السياسية التي تم تناولها في المبحث الثاني من الدراسة. ومن ثم فإنه يمكن تقسيم هذا الجزء إلى فرعين أساسيين، الأول هو مشروعية الحجج الخاصة بتعديل المعاهدة، والثاني هو مشروعية الحجج الخاصة بإلغاء المعاهدة.
أولاً: مشروعية الحجج المطروحة لتعديل معاهدة السلام:
تنص المادة الرابعة من المعاهدة علي أنه بناءً علي طلب أحد الطرفين يمكن إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين 1 و3 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين. ومن ثم فإنه يمكن أن تطالب مصر بزيادة حجم القوات وأسلحتها في بعض مناطق سيناء، بما يسمح بالسيطرة وتأمين الحدود بشكل أكبر، وبما تفرضه المصلحة القومية في ضوء تغير المعطيات الأمنية والإستراتيجية.
ومن الجدير بالذكر أن مصر وإسرائيل كانت قد وقعتا اتفاقاً عام 2005 لتأمين خروج إسرائيل من غزة، وافقت إسرائيل بموجبه علي السماح بزيادة عدد حرس الحدود المصري إلي 750 فردًا (مصر طلبت 2500)، مهمتهم تأمين ممر صلاح الدين الذي يفصل بين رفح مصر وغزة، ومنع التسلل وتهريب الأسلحة والأنفاق". وقد حرصت إسرائيل علي أن يكون هذا الاتفاق في إطار "بروتوكول خارج الاتفاق" حيث ترفض دوما أي تعديل في اتفاقية السلام، وتفضل توقيع اتفاق منفصل، وذلك لهدف واضح هو عدم إعطاء مصر فرصة مستقبلاً لطلب تغيير الاتفاقية، ويحرصون بالمقابل علي أن يكون التغيير أو نشر قوات أمن أكبر ضمن "اتفاق خاص" لا يمس اتفاق السلام بين الطرفين. ومما يذكر أن هذا الاتفاق لم يعرض علي مجلس الشعب المصري. ومن الجدير بالذكر أنه يمكن لمصر إذا رفضت إسرائيل إعادة النظر في الترتيبات الأمنية أن تلجأ إلي المادة السابعة بشأن اللجوء إلي التحكيم إذا تعثر حل الخلافات عن طريق المفاوضة كما حدث مع قضية طابا. والواقع أن الأحداث الأخيرة على الحدود المصرية الإسرائيلية، وما يحدث من اختراقات متتالية من قبل إسرائيل للأراضي المصرية بحجة ملاحقة مسلحين وتأمين حدودها تعتبر بمثابة ظرفًا تاريخيًا يُقَدِم لمصر مبررًا قويًا لأن تطلب من إسرائيل تعديل الجزء المتعلق بترتيبات الأمن، لاسيما في المنطقة ج، وذلك إعمالاً لحكم المادة الرابعة من الاتفاقية، بحيث يتم زيادة عدد (أو طبيعة) القوات المصرية المنتشرة على الحدود إلى أكثر من 750 جندى، بما يؤدي في النهاية إلى تمكن مصر من فرض سيطرتها على سيناء، والحيلولة دون تواجد عناصر مسلحة تهدد الأمن في البلدين.
ثانيًا: مشروعية الحجج المطروحة لإلغاء معاهدة السلام:
1- فيما يتعلق بنظرية التغير الجوهري في الظروف، إذا كانت قواعد القانون الدولي قد أعطت الحق للدول في إلغاء العمل بالمعهدات التي أبرمتها في حالة حدوث تغير جوهري في الظروف، وهو ما يرى البعض أن ينطبق على مصر الآن نظرًا لمرورها بحالة ثورة، وتغير النظام السياسي بها، إلا أن هذا الرأى يمكن تفنيده على النحو التالي:
(أ) عدم توافر الشروط الضرورية المطلوبة لتوافر قاعدة تغير الظروف؛ فإذا كانت الثورة المصرية تشكل تغييراً جوهريًا في الظروف التي أبرمت المعاهدة في ظلها جوهريًا، ولم تكن متوقعة وقت إبرام المعاهدة، ومن ثم ينطبق عليها الركنان الأول والثاني من شروط التغير الجوهري السابق شرحهما في المبحث الأول، إلا أنه من ناحية أخرى، فإن هذه الثورة لا تمس الظروف التي كانت أساسًا لرضاء الطرفين عند توقيع المعاهدة؛ فالفيصل هنا أنه حتى لو كانت هذه الظروف الجديدة -المتمثلة في الثورة المصرية أو تغير نظام الحكم- متاحة في الوقت الذي أبرمت فيه المعاهدة لقام أطرافها أيضًا بإبرامها بالنظر إلى توازنات القوى في ذلك الوقت، فهذه الظروف المستحدثة لا تمس جوهر الاتفاق بين مصر وإسرائيل. كذلك فإن الشرط الخاص بأن يترتب على تغيير الظروف تبديل جذري في نطاق الالتزامات الواقعة على أطرافها غير متوفر لأن قيام الثورة على النظام السياسي الداخلى لا يعني بأيه حال التنصل من الالتزامات على المستوى الخارجي.
(ب) من ناحية ثانية، فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال الاعتداد بتغير نظام الحكم لتبني نظرية التغير الجوهرى في الظروف إعمالاً لنظرية "التوارث الدولي للمعاهدات"، فقد جرى العرف الدولي –حتى قبيل توقيع إتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات- على التمييز بين نوعين من المعاهدات من حيث إمكان تطبيق أحكام التوارث الدولي أو الاستخلاف الدولي بشأنها؛
النوع الأول، هو المعاهدات التي تتضمن حقوقًا وإلتزامات دولية، مثل المعاهدات المنشئة لحدود، والمعاهدات الخاصة بتنظيم المرافق الدولية، كالمرور في البحار والأنهار والخلجان، وغيرها، وهذا النوع يجب فيه الاستخلاف.
والنوع الثاني، هو المعاهدات التي يجوز فيها الاستخلاف (أي أنه أمر للدول مطلق الحرية في تطبيقه أو لا)، ومن أمثلته معاهدات التحالف، ومعاهدات ذات الطبيعة الاقتصادية والتجارية. أما إتفاقيية فيينا لخلافة الدول المعاهدات والموقعة في 1978، فقد جاءت أيضًا مادتها (11) لتؤكد على الخصوصية التي تتمتع بها معاهدات الحدود، حيث قررت: "لا تؤثر خلافة الدول –في حد ذتها- على: أ- الحدود المقررة بموجب معاهدة أو؛ ب- الالتزامات والحقوق المقررة بمعاهدة والمتعلقة بنظام الحدود." وبناء على ما تقدم، يصبح الإعتداد بتغير الظروف نتيجة نظام سياسي جديد في أعقاب الثورة غير ذي صفة، استنادًا إلى نظرية التوارث الدولى للمعاهدات التي توجب الالتزام بكافة الاتفاقيات المتعلقة بنظام الحدود، حتى مع تغير شكل النظام، أو طبيعة الدولة.
2- فيما يتعلق بالإخلال بأحكام المعاهدة، فعلى الرغم من أن الأحداث الأخيرة في سيناء –على وجه الخصوص- تعد إخلالاً واضحًا بالمعاهدة من قبل إسرائيل، إلا أن القراءة القانونية للمادة (60) من إتفاقية فيينا -والخاصة بإنقضاء المعاهدة- تشير إلى أن المشرع قد قصد من عبارة "الإخلال الجسيم" تقييد هذا الحق، ومن ثم صاغ العبارة على هذا النحو من العمومية، وبالتالى فإن الحكم على مدى جسامة الإخلال المتمثل في تلك الخروقات الإسرائيلية سوف يكون من الصعوبة بما يكفى لإجهاض أيه محاولات مصرية للإعتداد بهذا البند لتعديل الاتفاقية.
من ناحية أخرى، إن إخلال إسرائيل بالتزاماتها فيما يتعلق بالشق الخاص بعدم الإعتداء على أي من الدول العربية، فإن هذا الشق هو شق إطاري، أي غير ملزم بالمعني القانوني، ولكنه فقط التزام أدبي، ومن ثم فإن الالتزام به أو عدم الالتزام لا يرتب آثارًا قانونية محددة، وهذا بالطبع بالنظر إلى طبيعة المتعاقدين أنفسهم، فالاتفاق على يلزم إلا أطرافه.
إذن خلاصة القول، أن اللجوء إلى قاعدة "الإخلال بأحكام المعاهدة" كسند قانوني لتمسك مصر بإيقاف العمل بمعاهدة السلام مع إسرائيل، هو أمر لن يكون من السهل إثباته عمليًا أمام المحاكم المختصة، لاسيما محاولة إثبات "جسامة هذا الإخلال". ويضاف إلى ذلك أيضًا الصعوبات السياسية التى ستواجه مصر حال إقدامها على مثل هذه الخطوة؛ سواء فيما يتعلق بتوازنات القوى الإقليمية في المنطقة، أو فيما يتعلق بالمعارضة الدولية التي ستواجهها داخل المنظمات الدولية أو خارجها.
3- فيما يتعلق بالتعارض مع إتفاقية الدفاع العربي المشترك، فإن هذا الرأي يمكن تفنيده إستنادًا إلى أن الهدف من توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل هو إنهاء حالة الحرب بينهما، إعمالاً لحكم المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات بين الدول، أما إتفاقية الدفاع العربي المشترك فهي تلزم فقط الدول العربية بالدفاع عن بعضها البعض في حالة التعرض للعدوان، ومن ثم فإن الدفع بتعارضهما هو في غير محله.
4- وأخيرا فيما يتعلق ببطلان المعاهدة نظرًا للأسباب السابق إيضاحها، فيمكن القول بواجهة هذه الأسباب من الناحية النظرية، إذا صح توافر شروط الإكراه التي تنص عليها المادتين (51)، و(52) من معاهدة فيينا، فما سبق ذكره من أدلة على توافر شرط الإكراه عند توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية سواء كان هذا الإكراه واقعًا على الدولة (مصر) أو على ممثل الدولة (الرئيس السابق أنور السادات) يحتاج إلى مزيد من التدقيق والفحص للتأكد من صحة هذه الأدلة، وفي حالة ثبوت هذه الوقائع فإنه يمكن بطبيعة الحال الدفع ببطلان هذه المعاهدة.
خاتمــــــة
ـــ
نستخلص من العرض السابق أن القاعدة القانونية الدولية -متى أصبحت واجبة التطبيق- فإنها تسري على جميع الحالات التي تدخل في حكمها، ولا يبطل مفعولها إلا بتوافق الدول التي نشأت القاعدة فيما بينها على العدول عنها. وقد يتم هذا التوافق بالنسبة للقواعد الواردة في المعاهدات في نفس الوقت الذي تقرر فيه القاعدة؛ فينص في المعاهدة على أن يكون تطبيقها لزمن محدود إذا ما انقضى تسقط بانقضائه، أو أن يبطل مفعولها بتحقق شرط فاسخ. كما يمكن أن يبطل مفعول المعاهدة بإعلان إحدى الدول (في حالة الاتفاقيات الثنائية) انسحابها منها. كذلك يبطل مفعول القاعدة القانونية إذا ما تم إبرام اتفاق جديد بين الدول التي ساهمت في إقرارها يخالف القاعدة الأصلية، وهذا الاتفاق قد يكون صريحًا عن طريق معاهدة يتقرر فيها إلغاء القاعدة أو إتباع قاعدة أخرى تخالفها، وقد يكون ضمنيًا عن طريق تعارف الدول على إهمال القاعدة أو السير على ما يخالفها، أى نشوء عرف جديد يخالف تلك القاعدة. وبناء على ما سبق، يتضح أنه إذا ما أرادت أى حكومة مقبلة في مصر أن تعدل في بنود معاهدة السلام، فإنه يجوز لها ذلك فقط فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية كما سبق وأوضحنا في المبحث الثالث. أما إلغاء المعاهدة أو الإنسحاب منها فإن ذلك لن يكون له سنداً قانونيًا قويًا إلا في حالة الأخذ بمبدأ بطلان المعاهدة من الأساس، وهذا بدوره يتطلب السعي المكثف لجمع الأدلة التي تثبت صحة هذا الإدعاء، وهى ليست بالمهمة الهينة.
إذن يظل الخيار الأكثر ملاءمة في الوقت الراهن وفقًا لمعطيات الأمور هو تعديل الشق المتعلق بالترتيبات الأمنية –على غرار ما حدث عام 2005- لاسيما وأن ما يحدث في سيناء الآن هو فرصة تاريخية لتتقدم مصر بطلب لتعديل هذا الجزء من الاتفاقية إستنادًا لنص المادة الرابعة بها، بما يسمح لمصر بنشر مزيد من القوات في سيناء، وبحيث تتمكن من فرض سيطرتها الأمنية عليها، وغلق الباب أمام الحجج والذرائع التي تستخدمها إسرائيل للتعدى على السيادة المصرية في سيناء بين الحين والآخر. أما في حالة رفض إسرائيل التفاوض على مثل هذا التعديل، سيظل الخيار –كما سبق وأشرنا- هو إعمال نص المادة السابعة من الاتفاقية فيما يتعلق باللجوء إلى التحكيم الدولي.
ولا يبقى في النهاية سوى أن نؤكد على أن قرار أي دولة إبرام اتفاقية أو الانضمام إليها أو إلغائها والانسحاب منها، يعد قرارًا سياسيًا بالدرجة الأولى، أكثر من كونه قرارًا قانونيًا. كما ينبغي التأكيد على أن إلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لا يعني بالضرورة نشوب حرب بين الدولتين؛ فهو -وإن كان سيؤدي بالتأكيد إلى تغير في طبيعة ومستوى العلاقات بين الدولتين- إلا أن ذلك لا يعني حتميه نشوب مواجهة عسكرية؛ فهناك العديد من العوامل الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية التي تدفع للقول باستبعاد مثل هذه المواجهة حتى في حالة إلغاء المعاهدة في الوقت الراهن.
المراجــــــــع
ـــــــ
(1) المراجع باللغة العربية:
أولاً: الوثائق:
1- إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية 1969.
2- معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية 1979.
ثانيًا: الكتب:
1- حازم محمد عتلم، "قاعدة تغير الظروف في النظرية العامة ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"، (القاهرة: مكتبة الآداب، 1999).
2- صلاح الدين عامر، "مقدمة لدراسة القانون الدولي العام"، (جامعة القاهرة: دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 1984).
3- على صادق أبو هيف، "القانون الدولي العام"، (الإسكندرية: منشأة المعارف، الطبعة الخامسة، 1960).
4- محمد السعيد الدقاق، "أصول القانون الدولي"، (الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة للنشر، د.ن).
ثالثًا: الدوريات:
- "تل أبيب تتابع بدقة إشارات الإدارة الأمريكية بشأن القبول المشروط للدور الإخواني"، نشرة أخبار الساعة، (مركز الإمارات للدراسات السياسية والإستراتيجية، العدد: 4527، الثلاثاء 8 فبراير 2011.
رابعًا: مصادر أخرى:
(أ) رسائل الدكتوراه:
1- محسن على جاد، "معاهدات السلام في القانون الدولي العام"، رسالة دكتوراه، (جامعة عين شمس: 1987).
(ب) الصحف ووكالات الأنباء:
1- "إستطلاع معهد أمريكي: الشعب المصري لا يريد كامب ديفيد"، موقع عرب48، 26/4/2011
2- "الثورة ومستقبل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"، جريدة الوطن السورية، 27 فبراير 2011.
3- "الثورة.. وهواجس إسرائيلية"، جريدة الوفد، 30 مارس 2011.
5- تفاصيل برنامج حزب الإخوان "الحرية والعدالة"، جريدة المصري اليوم، الثلاثاء 5 إبريل، والأربعاء 6 إبريل 2011
7- "تل أبيب تخرق اتفاقية "كامب ديفيد" مع القاهرة.. وتستبدل قوات "حرس الحدود" المنزوعة السلاح بكتيبة من قوات مسلحة من "الاحتياط" تم تدريبها على أعمال القتال"، جريدة اليوم السابع، الجمعة، 3 يونيو 2011
8- "حزب الوسط المصري يطالب بوقف ضخ الغاز إلى "إسرائيل" وإلغاء اتفاقية كامب ديفيد"، الخليج، الشارقة، 30/4/2011
11- نادية رفعت، "الثورة المصرية ومستقبل المعاهدة المصرية الإسرائيلية"، جريدة الأهالي، 13 إبريل 2011
16- "واشنطن: ينبغي لحكومة مصر القادمة احترام الاتفاقات مع إسرائيل"، وكالة رويترز للأنباء، 11/2/2011
17- "واشنطن بوست: مستقبل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية يحسمه البرلمان الجديد"، جريدة الدستور، 31 مارس 2011.
(ت) مصادر من شبكة المعلومات الدولية:
1- "إبطال المعاهدات الدولية"، مدونة القانون الدولي، 4 يناير 2011، متاح على شبكة المعلومات الدولية:
http://nile.eg/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-
7- "الذعر الإسرائيلي بعد انتصار الثورة المصرية"، موقع الجزيرة على شبكة المعلومات الدولية:
8- إيهود عيلام، "العوامل المؤدية لمس استقرار اتفاق السلام مع مصر"، 2009، ترجمة: عليان الهندي، مركز بيجن السادات للأبحاث الاستراتيجية، متاح على شبكة المعلومات الدولية:
9- "بحث حول المعاهدات الدولية"، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، متاح على شبكة المعلومات الدولية:
http://www.swissinfo.ch/ara/detail/content.html?cid=5454616
13- ديفيد ماكوفسكي، "استعراض مكاسب مصر من معاهدة السلام مع إسرائيل"، 7 مارس 2011، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، متاح على شبكة المعلومات الدولية:
http://arabic.washingtoninstitute.org/templateC05.php?CID=3081&portal=ar
14- "طُرق إنهاء المعاهدات الدوليـة"، نوفمبر 2009، متاح على شبكة المعلومات الدولية:
16- محسن صالح، "السلوك الإسرائيلي تجاه الثورات العربية"، 7 إبريل 2011، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، متاح على شبكة المعلومات الدولية:
http://www.alzaytouna.net/arabic/?c=198&a=140116
17- محمد سيف الدولة، "السلام بالإكراه وبطلان كامب ديفيد"، 8 مارس2009، موقع إخوان أونلاين على شبكة المعلومات الدولية:
18- د. محمود محارب، "دراسة: إسرائيل والثورة المصرية"، 1 يونيه 2011، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، متاح على شبكة المعلومات الدولية:
19- نبيل العربي، "حان الوقت لمراجعة سياستنا الخارجية"، 6 مارس 2011، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، متاح على شبكة المعلومات الدولية:
http://www.alzaytouna.net/arabic/?c=199&a=140532
(2) المراجع باللغة الإنجليزية:
1- Lee Smith, “The Future of the Egyptian-Israeli Peace Treaty”:
4- Robert Berger, “Israel Says Peace Treaty with Egypt Must Be Preserved, January 30, 2011
[3]- "طُرق إنهاء المعاهدات الدوليـة"، مقال متاح على شبكة المعلومات الدولية، نوفمبر 2009:
[5]- صلاح الدين عامر، "مقدمة لدراسة القانون الدولي العام"، (جامعة القاهرة: دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 1984)، ص ص 378، 381. - محمد السعيد الدقاق، "أصول القانون الدولي"، (الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة للنشر، د.ن)، ص 146.
[25]- "بحث حول المعاهدات الدولية"، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر:
- إيهود عيلام، "العوامل المؤدية لمس استقرار اتفاق السلام مع مصر"، 2009، ترجمة: عليان الهندي، مركز بيجن السادات للأبحاث الاستراتيجية، متاح على شبكة المعلومات الدولية:
[44]- "إستطلاع معهد أمريكي: الشعب المصري لا يريد كامب ديفيد"، موقع عرب48، 26/4/2011
[49]- "حزب الوسط المصري يطالب بوقف ضخ الغاز إلى "إسرائيل" وإلغاء اتفاقية كامب ديفيد"، الخليج، الشارقة، 30/4/2011 [50]- ديفيد ماكوفسكي، "استعراض مكاسب مصر من معاهدة السلام مع إسرائيل"، 7 مارس 2011، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، متاح على شبكة المعلومات الدولية: http://arabic.washingtoninstitute.org/templateC05.php?CID=3081&portal=ar
[53]- "الثورة ومستقبل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"، جريدة الوطن السورية، 27 فبراير 2011. - لمزيد من التفاصيل حول عنصر الإرادة في إبرام معاهدات السلام، انظر: محسن على جاد، مرجع سابق، ص ص 467- 478.
[60]- نبيل العربي، "حان الوقت لمراجعة سياستنا الخارجية"، 6 مارس 2011، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، متاح على شبكة المعلومات الدولية: http://www.alzaytouna.net/arabic/?c=199&a=140532
[61]- إزاء فشل مجلس الأمن فى إدارة ما عرف بأزمة الكوريتين، تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضى بتوسيع صلاحيات الجمعية فى مجال حفظ السلم والأمن الدوليين إذا ما فشل مجلس الأمن فى التعامل مع الأزمات التى تهدد السلم والأمن، بما فى ذلك إعطاؤها الصلاحية فى التوصية باتخاذ إجراء عسكرى جماعى. وبالفعل صدر القرار فى 3 نوفمبر 1950 وعرف باسم "الاتحاد من أجل السلام"، وأنشئ بموجبه إجراء يقضى بدعوة الجمعية العامة للانعقاد فى دورة استثنائية بناءً على طلب سبعة من أعضاء مجلس الأمن (تم زيادتهم حالياً إلى تسعة أعضاء)، أو بناءً على طلب من أغلبية الدول الأعضاء فى الجمعية العامة. كما ترتب على هذا القرار إنشاء ما عرف بـ"لجنة مراقبة السـلام"Peace Observation Commission" لإيفاد مراقبين إلى مناطق التوترات، وكذلك ما عرف بـ"لجنة الإجراءات الجماعية Collective Measures Committee" لدراسة وسائل تدعيم السلم والأمن الدوليين، وكيفية قيام الدول الأعضاء بتخصيص وحدات عسكرية ووضعها تحت تصرف الأمم المتحدة.
[64]- "الذعر الإسرائيلي بعد انتصار الثورة المصرية"، موقع الجزيرة على شبكة المعلومات الدولية:
[65]- د. محمود محارب، "دراسة: إسرائيل والثورة المصرية"، 1 يونيه 2011، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، متاح على شبكة المعلومات الدولية:
[71]- "الثورة.. وهواجس إسرائيلية"، مرجع سابق. - Robert Berger, “Israel Says Peace Treaty with Egypt Must Be Preserved, January 30, 2011 - Lee Smith, “The Future of the Egyptian-Israeli Peace Treaty”: [74]- محسن صالح، "السلوك الإسرائيلي تجاه الثورات العربية"، 7 إبريل 2011، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، متاح على شبكة المعلومات الدولية: http://www.alzaytouna.net/arabic/?c=198&a=140116