الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

ماذا تعني الأصولية؟؟


الأصولية:
تنسب "الأصولية" في اللغة العربية إلى لفظ "أصول" وهو جمع "أصل"، أي جذور الشئ. وفي اللغة الإنجليزية كلمة Fundamentalism  مشتقة من كلمة Fundamental  أي الأساس والمبدأ. أما إصطلاح "الأصولية" فقد ارتبط منذ نشأته بالدين، و"الأصولية الدينية" يقصد بها الدعوة لدراسة أصول القواعد والمبادئ الدينية بهدف الالتزام بها، وتطبيقها، والرجوع إليها؛ فالتيار الأصولي يهدف في النهاية إلى إصلاح ما أفسدته نظم الحكم السائدة من خلال العودة إلى تطبيق المفاهيم والقيم الدينية. وبناء على ذلك يمكن القول أن الأصولية هي حركة وفعل وليست فقط دعوة أو تطلع، فالفكرة يسعى أتباعها إلى نقلها إلى حيز التطبيق، بحيث ينشأ عمل ما يؤثر على التوازن القائم في الواقع.[1]
وهنا تجدر الإشارة إلى أن كل أصولية هي قانون بحد ذاتها، ولها ديناميتها الخاصة التي تستطيع من خلالها الجمع بين الثابت القديم والمتغير الحديث، وهو ما يعطي انطباعاً بأن الأصوليين هم أناس محافظون ومرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالماضي من ناحية، بينما أفكارهم هي أفكار حديثة وعصرية من ناحية أخرى.[2]
وجدير بالذكر أن النزعة الأصولية ليست حكرًا على الأديان السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام) فحسب؛ بل هناك نزاعات أصولية "بوذية" و"هندوسية" و"كونفوشيوسية". بيد أننا –وفي معرض الحديث عن الثورة المصرية- سوف نركز على مصطلحين أساسيين هما "الأصولية الإسلامية" "والأصولية المسيحية"، وذلك في محاولة لربط هذين المصطلحين بالدور المتنامي للتيارات الدينية داخل المجتمع المصري بعد الثورة.
- الأصولية الإسلامية:
في الثقافة العربية، كلمة أصول يكثر استخدامها في كتابات المفكرين الإسلاميين، فيقال أصول الدين، وأصول الفقه وغيرها. وبشكل عام يمكن القول أن الأصولية الإسلامية تدعو إلى العودة إلى أصول الدين، أى القرآن والسنة، بهدف إعادة الإسلام بأكمله إلى السيطرة على أوجه الحياه.[3]
وللوقوف على أهم عناصر مصطلح "الأصولية الإسلامية" لعله يكون من المفيد الرجوع إلى كتابات مجموعة من أعلام الدعوة الأصولية الإسلامية المعاصرة. فعلى سبيل المثال؛ الأصولية عند "حسن البنا" ترفض تحييد الإسلام عن مناحي الحياه العامة من اجتماع، واقتصاد، وسياسة، وثقافة، وقانون، "فالمسلم مطالب بحكم إسلامه أن يعنى بكل شئون أمته". أما "سيد قطب" فيضع تحديدًا مباشرًا لمفهوم الأصولية؛ فهو يدعو المسلمين للرجوع مباشرة إلى الشريعة الإسلامية، ومبادئها العامة، وتشريعاتها الكلية، واستلهام حلول تطبيقية للمشكلات المعاصرة. وعلى نفس المنوال تأتي كتابات "محمد حسين فضل الله" والتي يدعو من خلالها إلى إبداع منهج لحركة إسلامية جديدة تعمل بكل قوة ووعي وتدقيق من أجل أن يكون الإسلام قاعدة للفكر والعاطفة والحياه بشكل عام.[4]
ومما تقدم يمكن أن نصل إلى تحديد العناصر الرئيسية في مفهوم الأصولية الإسلامية في الآتي:
1- أنها حركة تقوم على الدعوة إلى الإسلام.
2- أن هذه الدعوة تنطلق من ينابيع الإسلام (القرآن والسنة)، ومع ذلك فهي حركة تجديد وليست حركة سلفية.
3- أن الموضوعات التى تتناولها الأصولية الإسلامية هي موضوعات قائمة الآن في الوقت الحاضر.
ومما سبق يمكن أن نخلص إلى أن مفهوم الأصولية الإسلامية مؤداه أن الأصولية حركة تجديد في الفكر الإسلامي، تنظر إلى القضايا الراهنة من منطلق الشريعة الإسلامية، لإضفاء الطابع الشرعي على مقومات حياة الإنسان في الحاضر.[5]
وإذا كنا بصدد الحديث عن مصطلح "الأصولية الإسلامية"، فإنه يتعين التفرقة بين نظرتين لهذا المصطلح؛ الأولى تنظر إلى هذا المصطلح من زاوية مدلوله في العلوم الدينية الإسلامية، والثانية تنظر إليه من وجه نظر المستشرقين والكتاب الغربيين. فبالنسبة لمدلول المصطلح في العلوم الدينية الإسلامية، يوجد التباس في تعريف الأصولية نتيجة الانقطاع بين معنيين للفظ ذاته؛ ففي الأصولية السنية، الأصوليون -بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة- هم علماء الكلام وأئمة الفقة. وفي الأصولية الشيعية، الأصوليون -بعد ثورة الإمام الخميني- هم زعماء الحركات الدينية الإسلامية وأعضاؤها. أما بالنسبة لمدلول الأصولية وفقًا لنظرة المستشرقين، فأولى سماتها هي الانقطاع عن الجذور؛ فالمستشرقون يستخدمون لفظ أصولية استنادًا إلى التسميات التي نشأت في الغرب في بداية القرن العشرين، فهم يرون أن الأصولية الإسلامية تبدو وكأنها غريبة عن تاريخها وولدت بتأثير احتدام الصراع بين الشرق والغرب. إلا أن بعض المستشرقون يميلون إلى إعادة الحركة الأصولية إلى بيئتها، ومنهم على سبيل المثال "مكسيم رودنسون"، الذي يرى أن الأصوليون هم "مجموعات في العالم الإسلامي تقول دائماً إن حل مشكلات العصر يتم عن طريق الإسلام، وهؤلاء يطالبون بالعودة إلى صدر الإسلام، ويؤكدون أن سبب المشاكل يكمن في الابتعاد عن الحلول التى طرحها الرسول صلى الله عليه وسلم. وهناك مستشرقون آخرون يرفضون استخدام مصطلح الأصولية الإسلامية انطلاقًا من أن مصطلح الأصولية هو مصطلح آت من النزاعات داخل الكنيسة الكاثوليكية، ويفضلون استخدام مصطلحات أخرى للدلاله على المفهوم؛ مثل "جاك بيرك" الذي يفضل استخدام مصطلح "الإسلاموية"، و"جون إيسبوسيتو" الذي يستخدم تعبير "صحوة إسلامية".[6]
- الأصولية المسيحية:
        عرفت المسيحية مصطلح الأصولية في القرن السادس عشر تحت مسمى "الحركة البروتستانتية" من "protest" –أي يعترض أو يحتج- فقد ظهرت هذه الحركة على يد "مارتن لوثر" و"جون كالفن" في الفترة ما بين عامي 1516 – 1520. وتؤكد هذه الحركة على أن الكتاب المقدس معصوم من الخطأ ليس فقط في قضايا العقيدة والأخلاق فحسب، بل أيضًا في كل ما يتعلق بالتاريخ وسائر مسائل الغيب كقصة الخلق، وميلاد السيد المسيح عليه السلام، ومجيئة الثاني، ويوم الحشر. هذا وقد أدخلت هذه الحركة على المسيحية الاهتمام الشديد بالعهد القديم أو التوراه.[7]
والواقع أن الأصولية قد ولدت رسميًا في عام 1910 حين عزت جماعة من المؤمنين تآكل أسس العقيدة المسيحية إلى العادات والأفكار الحديثة، ونشرت كتب "الأصوليات"، فأدت المبادرة في 1919 إلى تأسيس الجمعية العالمية للمسيحين الأصوليين التي ضمت حينذاك 6 آلاف عضوًا.[8]
وقد عارض المذهب البروتستانتي أي توافق محتمل بين ما يتوصل له العلم الحديث وبين ما هو مدون في الكتاب المقدس، مثال على ذلك رفضه لنظرية التطور والارتقاء لمخالفتها قصة الخلق التوراتية. وكان هذا من الأسباب التي أعطت هذا المذهب زخماً قويا في فترة العشرينيات. وفي فترة الثلاثينيات والأربعينيات أنشأت العديد من المعاهد والكليات الأصولية المختصة بدراسة الكتاب المقدس، رافق ذلك أيضًا انشقاق بعض الجماعات الأصولية -مثل المعمدانيين- عن كنائسها مشكلة كنائس جديدة. [9]
وعلى الرغم من تعدد الطوائف والفرق والاتجاهات المذهبية المسيحية، فإن التعبير الأوضح والأقوى عن الميول الأصولية في المجتمعات المسيحية يتركز في الطائفة البروتستانتية التي تفرع عنها مذاهب متعددة أيضًا لعل أشدها تطرفًا مذهب "البيوريتانية التطهرية" الذي ساد في إنجلترا في القرن السابع عشر.[10]
ويوجد في الولايات المتحدة أكثر من 200 طائفة داخل المذهب البروتستانتي وهم في حدود 100 مليون أمريكي. وأكثر هذه الطوائف تشددًا في مفهوم "عودة اليهود" (صهيوينة مسيحية) هي الطائفة التدبيرية Indispensationalism)). وأشهر دعاتها "بات روبرتسون" المبشر التليفزيوني المعروف، و"جاري فالويل"، و"جيم بيكر"، وآخرون، وجميعهم يبشرون بعودة المسيح بعد إنهاء بناء هيكل سليمان. [11]
وفي أواخر القرن العشرين بدأت المسيحية الأصولية بتأسيس مؤسسات إعلامية من أجل التبشير ولنشر الأفكار الخاصة بها، كما أنها تمكنت من التتغلغل في الحياة السياسية الأمريكية وأصبحت طرفا نافذا في اليمين المسيحي الأمريكي.[12]


[1]- د.حسين سعد، "الأصولية الإسلامية العربية المعاصرة؛ بين النص الثابت والواقع المتغير"، سلسلة أطروحات الدكتوراه، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، العدد: 52، الطبعة الأولى، مارس 2005)، ص 38.
[2]- مجموعة من الباحثين، "الأصولية الإسلامية وآثارها على العلاقات الدولية"، عروض مقدمة في مادة نظرية العلاقات الدولية، برنامج الدكتوراه، (جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2009).
[3]- د.حسين سعد، مرجع سابق، ص 37 .
[4]- المرجع السابق، ص ص 38- 40.
[5]- المرجع السابق، ص ص 40-41.
[6]- المرجع السابق، ص ص 42- 43.
[7]- مجموعة باحثين، "الأصولية المسيحية .. النشأة والتأثير في السياسة الخارجية الأمريكية"، عروض مقدمة في مادة نظرية العلاقات الدولية، برنامج الدكتوراه، (جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2009).
[8]- المرجع السابق.
[9]- تعريف الأصولية المسيحية، موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة على الإنترنت:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D8%A9_%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9
[10]- مجموعة باحثين، "الأصولية المسيحية .."، مرجع سابق.
[11]- المرجع السابق.
[12]- تعريف الأصولية المسيحية، مرجع سابق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق