الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

المفهوم العام لـ"الثورة"، والفرق بينه وبين "الثورة" كمصطلح سياسي


الثورة هي الخروج عن الوضع الراهن إلى وضع آخر سواء كان أفضل أو أسوء من الوضع القائم. وبشكل عام يمكن التفرقة بين نوعين من الثورات؛
النوع الأول: يشير إلى تغيرات جذرية وأساسية في مجال من مجالات العلوم والمعرفة، كالقول بالثورة الاقتصادية أو الثقافية أو الصناعية، أو ثورة في مجال التعليم، أو في عالم الاتصالات. وهذا النوع من الثورات لا تؤدي إلى تغيرات سياسية مباشرة، ولكنها تحقق انتقال المجتمع من حالة إلى أخرى بشكل تراكمي؛ كتحوله مثلاً من مجتمع زراعي إلي مجتمع صناعي، مثل الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر الميلاديين، والتي أدت إلى تغير الطبيعة الأساسية للمجتمع الأوروبي من الحياة الريفية إلى الحياة المدنية. وكذلك الثورة في مجال الاتصالات في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد العشرين الميلاديين.
أما النوع الثاني (وهو الذي يتعلق بالثورة كمصطلح سياسي): فهو يشير إلى تحولات جذرية في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مجتمع من المجتمعات. وهذه الثورة غالباً ترتبط بالتحرك الشعبي العارم لتغيير نظام الحكم. أي أنه وفقًا لهذا التعريف الثورة هي بمثابة حركة شعبية وتلقائية لتغيير الأوضاع في المجتمعات، وهذا النوع بدوره ينقسم إلى ثلاث فئات؛ الفئة الأولى ثورات أحدثت تغيرات جذرية على صعيد البنية الاجتماعية والإقتصادية والسياسية. فالثورة الفرنسية عام 1789م أنهت حكم الملك "لويس السادس عشر" وقامت بتحويل الحكم إلى نظام جمهوري، ورفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة، وأعلنت قيام دولة المؤسسات ممثلة في الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وعندما قامت الثورة الثورة الروسية في عام 1917م التي لم تكتف بعزل القيصر، بل عملت على إحداث تغييرات جذرية في المجتمع ومثلها الثورة الصينية 1949م. كما يندرج تحت هذا النوع ثورات أوروبا الشرقية عام 1989، وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004.
أما الفئة الثانية فهي ثورات تحررية ولكنها لا تحدث تغير في بنية المجتمع. ومن هذه الثورات الثورة الأمريكية (1775- 1783م)، فكانت ذات طابع حركة تحرير وطني؛ إذ اكتفت بالمطالبة والنضال في سبيل الاستقلال من الحكم البريطاني دون إحداث تغييرات رئيسية في البنية الاجتماعية. وفي أمريكا اللاتينية نموذجاً آخر من نماذج الثورات التي تمكنت من تغيير بعض الحكام المستبدين، دون أن يصاحب ذلك إحداث تغييرات أساسية في أنظمة الحكومة أو في البنية الاجتماعية للدولة. ويطلق علماء السياسة على هذا النوع من الثورات ثورات ضد السلطة، لكونها ذات هدف محدود هو الإطاحة بالحكومة الفاسدة القائمة.
أما الفئة الثالثة فهي ثورات تحريرية تحدث تغير في بنية المجتمع، مثل الثورات التي كانت موجهة ضد الاستعمار في دول العالم الثالث، وكانت تهدف إلى تحقيق السيادة والاستقلال، ويطلق على هذا النوع من الثورات “الثورات الوطنية". ويحدث هذا النوع من الثورات تغيرات جذرية في بنيان المجتمع؛ ومن أمثلتها ثورة الجزائر 1954 – 1962.[1]
وفي إطار الحديث النظري عن مصطلح الثورات وأنواعها، لعله يكون من المفيد أيضًا الإشارة إلى أحد التقسيمات المهمة التي طرحها بعض المفكرين السياسين لأنواع الثورات، حيث يرون أن هناك نوعين من الثورات، النوع الأول هو "الثورات التأسيسية" Foundational Revolutions   كونها لا تمحى بنية سياسية واجتماعية واقتصادية قديمة فحسب، وإنما تضع الأساس لبنية جديدة لا يمكن محوها إلا بثورة أخرى أكثر قوة وتأثيرًا، أما النوع الثاني، فيطلق عليه "الثورات التحويلية" Transformational Revolutions وهي ثورات مهمة تقوم بتحويل المجتمع ونقله من وضع إلى آخر ولكنها لا تتمتع بالديمومة والاستمرار لأسباب مختلفة بعضها أيديولوجي، والبعض الآخر سياسي واستراتيجي.[2]
وبشكل عام يمكن القول أن الثورة هي عملية تغيير سريع وجذري للنظام السياسي، بما يؤدي للإطاحة بالنظام القديم، والنخبة التابعة له. والثورة مختلفة عن عمليات التغيير الصغيرة أو المتوسطة، والتي تحافظ على النظام القديم؛ فالتغييرات عادة ما تكون تجميلية. ويمكن اختبار الثورة الحقيقية عن طريق رؤية ما إذا كانت قد أطاحت بالنخبة القديمة أم لا، فإذا ظلت في مكانها فما حدث لا يعتبر ثورة. وقد حدد "كران برينتون" في كتابه الذي صدر عام 1938 بعنوان "تشريح الثورة" The Anatomy of Revolution  خمس مراحل تمر بها كل الثورات، واختبر هذه المقولة بدراساته للثورة الإنجليزية في أربعينيات القرن السابع عشر، والثورة الأمريكية عام 1776، والثورة الفرنسية عام 1789، والثورة الروسية عام 1917. وتتمثل هذه المراحل في الآتي:-[3]
مرحلة انهيار النظام القديم، في هذه المرحلة تتطور مجموعة من مشاعر عدم الرضا عن الحكومة، نتيجة تعطل الإدارة وتزايد الضرائب، وتبدأ تدريجيًا ثقة الشعب في الحكومة تتآكل. كما تبدأ الحكومة فى فقدان ثقتها في نفسها، ويحول المفكرون ولاءهم من النظام القائم إلى نظام آخر مقترح يحمل قدرًا من المثالية، ويتزامن هذا مع بدء عملية تحديث اقتصادي، تلعب دوراً كبيرًا في إثارة مشاعر السخط والحقد.
المرحلة الأولى للثورة، وتبدأ ببدء التحرك من أجل تغيير الوضع القائم، فيبدأ التآمر على النظام القائم من خلال تشكيل اللجان والشبكات والخلايا، واتخاذ من الإطاحة بالنظام القديم هدفًا لها، وتبدأ بعض مظاهر التمرد الشعبي على النظام، ويبدأ تطور مأزق سياسي يستعصي حله، وتلجأ الحكومة إلى استدعاء قوات الأمن، الأمر الذي يؤدي إلى عكس النتائج التي يبتغيها النظام، نظرًا لزيادة غضب الشعب، وفي النهاية يصبح النظام القائم خارج نطاق الخدمة.
مرحلة تولي المعتدلين السلطة، خلال هذه المرحلة يتولى القيادة المعتدلون، وهم الذين عارضوا النظام القديم، ولكنهم مازالوا مرتبطين به، ويبدأون إصلاحات معتدلة غير جذرية، وغير كافية أيضًا بالنسبة للمتشددين المتواجدين بين الثوار، ويتهم هؤلاء المعتدلين بالجبن والتوافق مع قوى النظام القديم، وربما يعود ذلك إلى أنهم لا يتمتعون بالصرامة الكافية.
مرحلة تولي المتشددين السلطة، حيث يقوم المتشددون الأكثر صرامة، والأفضل تنظيمًا من المعتدلين، والذين يعرفون ما يريدون تحديدًا بالإطاحة بالمعتدلين، وتولى قيادة الثورة، ويتم التخلص من أي بقايا للنظام القديم، ويفرض المتشددون على الشعب طاعة النظام القديم بقيمه وقوانينه، ويتعرض المخطئون للعقاب.
المرحلة الأخيرة، في النهاية لا يستطيع المجتمع تصعيد الثورة ويصبح الشعب –حتى الثوريون منهم- منهكًا، ويتوق إلى الاستقرار وتسيير عجلة الاقتصاد مرة أخرى والتمتع بالأمن الشخصي. ويصف "برينتون" هذه المرحلة بأنها فترة "نقاهة ما بعد الحمى".
وتختلف الثورة عن الانقلاب العسكري في كون هذا الأخير يتمثل في قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم، بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي الحكم. [4]   
ولعل السؤال البديهي الذي قد يتبادر للذهن هو أين يتم وضع الثورة المصرية التي قامت في الخامس والعشرين من يناير 2011، ضمن أنواع الثورات سابقة الذكر؟  وما هو الصدى والتأثير التاريخي الذي قد تتركه الثورة المصرية سواء إقليميًا أو دوليًا؟


[1]- ماذا تعرف عن معنى كلمة "ثورة"، مقال منشور على شبكة الإنترنت:
http://forums.2dab.org/archive/index.php/t-47552.html?s=654d63b2c3786d9142c52b4ad9b24b32
[2]- خليل العناني، "الثورة المصرية...التداعيات الإقليمية والدولية"، مجلة شئون عربية، (جامعة الدول العربية: العدد: 145، ربيع 2011)، ص 73.
[3]- إيمان أحمد رجب (محرر)، "المفاهيم الخاصة بتحليل انهيار النظم السياسية"، اتجاهات نظرية في تحليل السياسة الدولية، ملحق مجلة السياسة الدولية، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، العدد: 184، إبريل 2011)، ص ص 10- 12.
[4] - تعريف "الثورة"، موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة على شبكة الإنترنت:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق